أولى الخطوات: موالح

لعلّ العمل على قضايا حقوق المثلية هو الأخطر في مجتمعٍ شرقيّ محافظ كمجتمعنا، خاصةً في ظل ما يحدث في سوريا من اقتتال، فلا يكاد يخفى على أيّ متابعٍ للأحداث الأخيرة بعينٍ مثليّة، أن رهاب المثليّة كان أحد أسلحة كلا طرفي النزاع، فقد بدأت المحطات التلفزيونية في سوريا حملة شعواء خلال العام الفائت على الأطراف المعارضة للنظام، والقنوات العربية وأصحابها، كان وقودها السيد علي الشعيبيّ وادعاءاته الغريبة بأن كل من يشاركون في حملة الاحتجاجات والتظاهرات ضد النظام وقتها هم «لوطيون»، وقد بلغت به الصفاقة حدّ استخدامِ عبارة «لوطي يلاط به » عند حديثه عن صاحب مجموعة .MBC

إن حملةَ كتلك في مثل ذلك الوقت توحي بخطورة كبيرة تكمن في استخدام رهاب المثليّة لإبعاد المجتمع عن معارضة النظام، واتهام المعارضين «بالانحلال الأخلاقي». وقد تطور الأمر فيما بعد عندما قامت قناة الدنيا بعرض محضر ضبط عسكريّ ضد عدنان العرعور يتهمه فيها بممارسة «الفعل الشاذ » مع أحد العناصر الذين كانوا تحت إمرته عندما كان ضابطاً في الجيش، ثم استخدمت كلمات مثل «ممحون» وغيرها لشن حملةٍ عليه. وأصبحت كلمة «عرعوري» مرادفة لكلمة «شاذ أو لوطي»، أو حتى «منيوك».

بعد ذلك، وبعد أن دخل التطرف ورافق بعضاً من مظاهر المعارضة، بدأت فيديوهات غريبة تظهر على اليوتيوب لأشخاص يعملون لدى النظام، يُجبرون فيها على قول كلمة «أنا لوطي »، كان أشهرها لضابط أمن اعتقله بعض أعضاء ما يسمى بالجيش الحر، واكتشفوا حيازته لأفلام وصور مثلية على جهاز هاتفه المحمول، وقد ادعوا في الفيديو أنهم كانوا على وشك إطلاق سراحه لولا أنهم وجدوا هذه الأفلام بحوزته، مما دفعهم لتسجيل اعترافه «بلوطيته » أمام الكاميرا، في اتهام منهم للنظام «بالانحلال الأخلاقي».

سواءً كنت موالياً للنظام أو معارضاً له، عليك أن تدرك خطورة هذه الأعمال التي ستتجسد بشكل أكبر بعد انتهاء هذه الأحداث، حيث سيصبح التطرف ضد المثليين هو الطاغي الأكبر على أرض الواقع بغض النظر عما سيؤول إليه التنازع على السلطة. فإن انتصر النظام، سيصبح التجوال أمراً شبه ممنوع لفترة طويلة، وهذا أمر يعرفه الأكبر سناً ممن شهدوا فترات اضطرابات في السابق، أما أن انتصر الطرف المعارض، فستعلو لفترة ليست بالقصيرة أصوات متطرفة ومتشددة، تجعل من المثلية الجنسية الهدف الأسهل للملاحقة.

في القانون السوري، تعاقب المادة رقم 520 من قانون العقوبات «كل من يرتكب جرم ممارسة جنسية غير طبيعية» بالسجن لمدة خمس سنوات. فإن انتصر النظام في هذا الصراع، ستبقى تلك المادة على حالها، بل وسيدخل تطبيقها حيز التنفيذ بعد أن كانت شبه مهملة لفترة طويلة. أما إن انتصرت قوى المعارضة، فيجب أن لا يخفى علينا أن أقوى الأصوات الآن هي الأصوات الإسلامية، والتي وإن لم تصل إلى الحكم، فستبقى عاملاً فاعلاً ومحركاً أساسياً للقرار السوري لمدة لن تقل عن عشر سنوات.

في مثل هذه الظروف، يجب علينا إيصال أصواتنا، لنخبر مجتمعنا أننا موجودون، وأن مثليتنا ليست انحلالاً أخلاقياً، بل هي أمرٌ خُلقنا عليه، ولا نريد تغييره حتى لو استطعنا، وكلنا يعلم أننا لا نستطيع تغيير ميولنا الجنسية، فهي أمرٌ من ضمن خلقتنا، وليست أمراً مكتسباً، لذلك كانت خطوتنا الأولى على هذا الطريق هي «موالح»، والتي ستكون مجلة حول قضايا المثلية الجنسية في سوريا، هدفها الدفاع عن حقوق المثليين، المثليات، ثنائيي وثنائيات الجنس، والمتحولين والمتحولات جنسياً، بعيداً عن الاتجاهات السياسية أياً كانت.

اسم المجلة «موالح » جاء من فكرة أننا موالح المجتمع، فنحن مشاركون فاعلون في كل أوجه الحياة، لذلك يمكن القول أن «الحياة من غيرنا ناقصة وبلا طعمة »، خاصةً «أنو الكل بيحب الموالح».

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: