لقاء برادلي سكر مع موالح

برادلي سكر هو مصور صحفي بريطاني شاب زار عدة دول منها أفغانستان، باكستان، إيران، البحرين، الكويت، لبنان، مصر، الأردن، وسوريا ضمن محاولته لتوثيق معاناة المثليين عبر العالم. يمكنكم الإطلاع على أعماله عبر زيارة موقعه الالكتروني: www.bradleysecker.com 

لقد زرت سوريا من قبل، فما هو انطباعك عن سوريا؟

نعم لقد زرت سوريا مرتين من قبل في عامي 2007 و2010، وكانت أولى الدول العربية التى زرتها. خلال عام 2007 قمت بزيارة معظم المدن السورية، وتمكنت من رؤية جمال البلد وأهله. ولم يتسن لي خلال المرة الأولى التعرف على المجتمع المثلي، رغم أنني مارست الجنس مع بدويّ اشتريت منه جملاً لأقوم برحلتي في الصحراء السورية. لكنني خلال زيارتي الثانية عام 2010 تمكنت من
التعرف على المجتمع المثلي في سوريا، كما التقيت بك هناك، حيث كان الهدف من الزيارة العمل على موضوع اللاجئين المثليين العراقيين الذين فرّوا من العراق بسبب ميولهم الجنسية.
 

ما رأيك في المجتمع المثلي السوريّ من خلال تلك الزيارة؟

يمكن القول أن المجتمع المثلي في سوريا هو أحد أكثر المجتمعات المثلية جرأةً في المنطقة، خاصةً في دمشق، فالمثليون هناك لا يبذلون جهداً كبيراً لإخفاء أنفسهم عن بعضهم البعض، لكنني لم أتعرف إلى أي فتاة مثلية، ربما لأن للفتيات المثليات طبيعة أخرى مختلفة، كما لم يمكنني التعرف إلى أي من المتحولين والمتحولات جنسياً، أو حتى على الأقل عمن يرغبون/ترغبن في إجراء عمليات مماثلة. 

هل معنى ذلك أنك رأيت أن وضع المجتمع المثلي في سوريا قبل هذه الأحداث كان مقبولاً إلى حدٍّ ما؟

بكل تأكيد، فهناك مجتمع مثليّ كبير في دمشق، وهو ظاهر بشكل كبير وليس متخفياً أو مختبئاً، ويمكن لأيّ مراقب لبعض الأماكن التي يكثر تجمع المثليين فيها التعرف إلى طبيعة هذا المجتمع، حيث ترى أن معظم المتجولين في الساعات الأخيرة من الليل هم من المثليين، الذين يمكنك التعرف إليهم بسهولة. فمن الحجاز إلى جسر الرئيس والشعلان، يمكنك رؤية المثليين بوضوح، وقد كان ذلك بارزاً وظاهراً حتى في رمضان، مما خلّف لديّ انطباعاً أنه مجتمع قويّ يفخر بنفسه. Photo by: Bradely Secker

ذكرت أنك كنت تعمل على موضوع اللاجئين المثليين العراقيين الفارين من بلادهم بسبب ميولهم الجنسية، هلا شرحت قليلاً للقارئ عن معاناة المثليين العراقيين؟

اضطر الكثير من المثليين العراقيين إلى الهرب وطلب اللجوء عبر الأمم المتحدة بسبب الاعتداءات الجسدية العنيفة على المثليين في العراق من قبل مليشيات مقتدى الصدر المسلحة وبعض المجموعات الدينية المتشددة الأخرى، حيث قام بعض المتشددون بقتل وتعذيب المثليين في العراق، ففي أحيان كانوا يقومون بوضع الغراء في مؤخراتهم، مما يتسبب بموتهم بعد فترة بسبب احتباس الفضلات في أجسامهم، بينما تشويه الكثير من الآخرين، حيث وجد الكثير من المثليين مقتولين بعد قطع أعضائهم التناسلية، إلى غير ذلك من وسائل التعذيب والقتل والاستهداف الممنهج، مع العلم أن ذلك لم يكن يحدث بأي شكل قبل الغزو الأمريكي للعراق. 

هل تخشى أن يتعرض المثليون في سوريا إلى ذات الاضطهاد والتعذيب والملاحقة بعد انتهاء هذه الأحداث؟

مثل تلك الأفعال لن تظهر للعيان إلا في ظل دولة يعلو صوت السلاح فيها على كل شيء ولا يحكمها قانون، ما يحدث الآن في سوريا مقلق لأن النظام يحارب المعارضين بقوة السلاح، بينما يرد عليه الكثير من المعارضون بهجمات مسلحة أيضاً، وبرغم أنني لا أعتقد أن شيئاً كهذا قد يحدث في سوريا، إلا أنه يجب على الجميع التوصل إلى حل سلمي، وتأمين فترة انتقالية لسوريا نحو دولة جديدة مختلفة يحكمها القانون، بغض النظر عمن سيحكمها إن كان الأسد أو غيره، وإلا فإن الجميع سيعاني في سوريا في ظل غياب القانون وتوافر السلاح، مع إيماني الخاص بأن السوريين هم أكثر تسامحاً من غيرهم. 

هناك الكثير من الحملات المعادية للمثلية، من كلا الطرفين، فالنظام بدأ في العام الفائت هجومه على المعارضين بوصفهم بالمثلية، كما أن مسلحي الجيش الحر يجبرون بعض الأشخاص على التصريح بميولهم الجنسية على أفلام  ألا تجد أن ذلك قد يشكل خطراً على المثليين مستقبلاً بغض النظر عما سيؤول إليه الصراع؟

لقد بدأت الأمور بهذا الشكل في العراق، فقد بدأ الجميع بخطاب الكراهية الذي يشعل فتيل التطرف ليس الديني فقط، بل العرقي والسياسي أيضاً. إن إطالة فترة الصراع في سوريا ستلقي بنتائج وخيمة على الجميع، لكن المثليون هم الهدف الأسهل دائماً لاعتبارت دينية واجتماعية في ذات الوقت، لذلك إن استمرت مثل هذه الحملات، فإن المثليين قد يعانون كثيراً في المستقبل. 

برأيك ما الذي يتوجب على المجتمع المثلي في سوريا فعله لمحاربة مثل هذا الخطر؟

التوحد في جبهة واحدة مثلية إن صح التعبير هو الحل الأمثل في مثل هذا الوقت، فالمتشددون من كلا الطرفين لاحقاً لن يهتموا للتوجه السياسي للمجتمع المثليّ، ربما يجب إيصال فكرة “وحدة الصوت المثلي” وأن مطلب المجتمع هو واحد بغض النظر عن انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية، هناك عدة وسائل لإيصال الصوت، فهناك شبكات التواصل الاجتماعي، التي يمكن لأيٍّ كان استخدامها بأسماء مستعارة لتوثيق مشاعرهم، وإيصال أصواتهم للمجتمع، كما أن على المجتمع المثلي عدم الاكتفاء بالمطالبة بحقوق المثلية الجنسية، بل يجب عليهم المطالبة بحقوق الإنسان والمواطنة للجميع، فعدم الاهتمام بكامل حقوق الإنسان من قبل المجتمع المثلي هو أمر أجده غريباً وخاطئاً في ذات الوقت. 

لكن ذلك يضع المجتمع المثلي أمام خانة التصنيف على أساس التوجه السياسي من قبل الجميع، فعلى سبيل المثال إن طالب هذا المجتمع بحق حرية التعبير للجميع لأن ذلك يكفل ضمناً حقه في حرية التعبير، سيعتبره النظام معارضة سياسية، وقد يستخدم ذلك في الحملات الإعلامية، كما يمكن أن يعتبره المعارضون جزءاً منهم، حتى وإن كان بعض أفراده محايدين، إن صح التعبير.

إن ذلك صحيح إلى حد ما، ولكن يمكن تجنب الحديث في السياسة، فهناك مطالب إنسانية أساسية يجب المطالبة بها بشكل واضح وصريح، مع التركيز أن هذه المطالبة ستعني ضمناً حقوق المثلية الجنسية، وإلغاء قوانين تجريمها.

لكنّ الأدرن لا يجّرم المثلية الجنسية قانوناً كما تم إلغاء تجريم المثلية الجنسية من القانون العراقي منذ عام 2003، إلا أن المجتمع المثلي في دمشق خاصةً  بقي أفضل بكثير من نظيريه في هاتين الدولتين، فهل تعتقد أن إلغاء مادة تجريم المثلية الجنسية من القانون سيكفي وحده لحماية المجتمع المثلي في سوريا أم يجب توجيه الجهود نحو محاربة رهاب المثلية وكراهية المجتمع للمثلية الجنسية؟

أجل، أن إلغاء المادة من القانون لن يكفي وحده لحل مشكلات المجتمع المثلي، ففي سوريا لم أرَ أحداً يُعتقل بسبب توجهه الجنسيّ خلال فترة تواجدي هناك، رغم أنه أمر كان يحصل على فترات متباعدة، بينما كان المثليون في العراق يتعرضون للقتل والاضطهاد الجسدي والنفسي بشكل كبير، لذك أرى أن محاربة رهاب المثلية وكراهية المجتمع للمثلية هي الخطوة الأولى لأنها ستسهل المطالبة بالحقوق لاحقاً، وأعتقد أن ذلك يجب أن يتم بسرعة وبشكل توعوي ومخاطبة مشاعر المجتمع السوري أولاً، لمحاولة حثهم على إعادة التفكير في نظرتهم إلى المثلية الجنسية. 

هل ترى أن هناك أهمية وفائدة في الإعلان عن الميول الجنسية من قبل المثليين والمثليات في هذه المرحلة، على الأقل ممن يستطيعون الإعلان عن تلك الميول والتصريح بها علناً؟

أعتقد أن في ذلك فائدة كبيرة لأنها ستجعل بعض الأصدقاء، والأقارب أحياناً، يفكرون بأن التوجه الجنسي لم يشكّل مشكلة لهم خلال علاقتهم الطويلة مع الشاب المثليّ أو الفتاة المثليّة، ويجب ألا يشكل أي مشكلة لأن التوجه الجنشي هو أمر خاص بالشخص صاحب التوجه. IraqiLGBT by: Bradely Secker

بالحديث عن ذلك، وبالنظر إلى طبيعة توجه مجلتنا، قد نلمس قلقاً وخوفاً من بعض الأشخاص من الاتصال أو التواصل معنا خوفاً من التعرض لفضيحة اجتماعية، رغم أن عملنا قد لا يتجاوز عدة مراسلات الكترونية، ولدى مقارنة عملنا مع عملك بالتحديد، نجد أن الصعوبات في عملك أكبر لأن سردك للقصة يعتمد بشكل أساسي على الصورة، هلا شرحت للقارئ كيف استطعت التحايل على موضوع الظهور العلني للأشخاص في صورك.

اعتمدت في عملي على الظلال والإضاءة الخافتة ليظهر الشخص كخيال في الصورة، وقد نجح ذلك العمل إلى حد كبير، لأن من يرى الصورة سيظن أن هؤلاء الأشخاص قد يمثلون أي شخص مثلي أو غير مثلي في الواقع، كما قمت بتغيير الأسماء وعدم ذكر الأماكن والمدن الأصلية لهم، بالأخص للأشخاص الذين كانت عائلاتهم لا تزال موجودة في العراق في ذلك الوقت، بينما عملك سيكون أسهل لأن الشخص يمكن أن يطلق على نفسه أي اسم قبل أن يخبرك قصته، فالجزء الأهم في الموضوع هي المخاطر والصعوبات التي تواجه المجتمع المثلي بغض النظر عن هوية الأشخاص الذين يعانون منها. 

برأيك ما الذي يجب أن تحتويه مجلة كمجلتنا؟

يجب أن تحتوي على أخبار فنية وثقافية، وألا تنحصر فقط في أخبار المثلية والثقافة المثلية، ومن الجميل أن تكون مساحة لأخبار قد لا تهتم المحطات والجرائد الكبرى بإيصالها، كما يجب أن تركز على الجانب التوعوي للمجتمع بشأن المثلية، وتوعية المثليين بحقوقهم. 

بالحديث عن الثقافة المثلية، ألا ترى معي أن كلمة “gay” فيها الكثير من التنميط، وكأنها علامة ووصف يريد الآخرون وصفنا به؟

أوفقك الرأي بأن كلمة “gay” تحمل الكثير من المعاني المبطنة التي تنمط من طبيعتنا، وبرغم أن كلمة “homosexual” بالإنكليزية هي رسمية إلا أنها قد تكون الأمثل لوصف أشخاص مثلنا، خاصة بحكم بعدنا عن المظاهر الأخرى التي تحملها كلمة “gay” كالسهر والتجول وغيره. 

هل تعتقد أن المثليين في الشرق الأوسط بشكل عام هم أكثر سطحية؟ خاصة أنهم يقومون بعمل كل ما هو “غاي” في ساعات الفراغ القليلة التي قد يجدونها قبل أن يعودوا إلى الاختباء مجدداً؟

أنت محقٌّ في ذلك، فقد رأيك بعض الأشخاص في دمشق يبالغون في طريقة لباسهم أو كلامهم فقط ليظهروا أو يبرزوا كمثليين أمام غيرهم، وكأنها رسالة منهم أنهم موجودون، بينما أعتقد أن هؤلاء الأشخاص أنفسهم لن يلجؤوا إلى ذات المبالغة إن كانوا في دول أخرى يستطيعون التعبير فيها عن هويتهم الجنسية بسهولة وحرية أكبر. 

هل ترى أنه من الأفضل توجيه تلك الطاقة نحو مكان آخر؟

بالتأكيد. 

مثل ماذا؟

الحديث عن مشاعرهم، الكتابة عنها حتى ولو بأسماء مستعارة، الكتابة عما يريدون الحصول عليه لكنه في الواقع بعيد المنال، توثيق مشاعرهم، آلامهم، وأحلامهم في محاولة لإيصالها إلى العالم. 

هل من كلمة أخيرة تود قولها؟

ما آراه أن المثليين في الشرق الأوسط يمضون فترة شبابهم وكأنهم في إجازة، يعودون منها في مرحلة معينة من العمر، ليأتمروا بأمر رئيسهم، وأعني به المجتمع والعائلة في هذا الحالة، فتراهم يتزوجون وينشؤون عائلة لا يريدونها، ليحكموا بذلك بالتعاسة على أنفسهم وعلى الآخرين، لذلك على المجتمع المثلي في سوريا إعادة النظر في ذلك الأمر، خاصةً في ظل ما يحصل الآن في سوريا، كما عليهم أن يؤمنوا أن المطالبة بحقوقهم، وإن كانت تحمل شكلاً من المعارضة السياسية، فإنها أمر مطلوب وحتميّ في هذه المرحلة، برغم أنني أعتقد أنها نوعٌ من التحدي المطلوب لجميع الأطراف لأنها أمر يتعلق بالهوية الجنسية، ولا علاقة له بالانتماءات السياسية. 

سامي حموي

SyrianGayGuy@gmail.com

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: