لم يكن ذلك الفتى اليافع “م.ف.” يملك من المعرفة شيئاً عندما طلبت منه والدته المريضة أن يتزوج قبل أن تفارق الحياة، فقد أنهى للتو دراسة الثانوية العامة، وكان يرغب باستكمال دراسته الجامعية برغم كل تلك المشاعر والأفكار التي كانت تراوده وكان يخشى البوح بها. كانت بداية التسعينيات، ولم تكن سوريا قد لحقت بعد بركب الحضارة، فالهاتف الأرضي كان حلماً يتطلب العمل على تحقيقه خطةً عشرية، ولم يكن أمام “م.ف” سوى التجوال في الحدائق، بحثاً عمن يمتلك نفس المشاعر، ويمتلك مكاناً، أيّ مكان، لاستراق بضعة دقائق تطفئ ما كان يعتمل داخله من نيران الرغبة والبحث في مكنونات الذات.
رضخ ابن التاسعة عشرة لرغبة والدته، وتزوج من إحدى قريباته التي اختارتها له والدته، ظن للوهلة الأولى أن رغباته تجاه أقرانه من الشباب ستخمد وتنطفئ، فاستعان بجانب زواجه بالقرآن والتدين، كما انصب على درسه الذي أولاه اهتماماً أكبر حتى من زواجه. مرت بضعةٌ من الأشهر قبل أن يرفض جسده النائم جسد زوجته بجواره، وبرغم أنه كان يمارس واجباته الزوجية الجنسية، إلا أنه لم يستطع أبداً النوم قرب زوجته، فكان يهجرها وقت النوم، وينام في غرفة الجلوس التي تحولت إلى مكان نومه الدائم حتى اليوم، ومن يومها بدأت مشكلاته مع زوجته، ووقع بينهما حالات انفصال كثيرة، كانت تعود بعدها إليه في كل مرّة.
مرت سنوات رزق خلالها بابن وابنتين، قبل أن يبتسم له الحظ ويسافر في منحة دراسية إلى خارج البلاد، ويبدأ بدراسة الماجستير، فقد كان طالباً متفوقاً، واستطاع بجده واجتهاده الحصول على مكان ضمن قوائم البعثات. قضى عامين من الزمن قبل أن يتمكن من العودة ليجد في انتظاره في المنزل زوجة وأربعة أبناء، فقد وضعت له زوجته ابنة ثالثة خلال فترة دراسته في الخارج. لم يكفل الابناء عيشة هانئة له، فقد بدأت مشكلاته مع زوجته بالازدياد حتى انفصلا مرة أخرى لفترة طويلة.
بعد عامين في الخارج، عاد “م.ف.” بنفس الدرجة من التدين، لكنه استطاع التصالح مع رغباته وبدأ بالبحث عن شريك قد يتمكن من قضاء حياة أخرى سرية معه، ووجد في شاب يصغره بضعاً من السنوات ضالته، أحبّه حباً كبيراً، وبدأت اللقاءات بينهما تأخذ طابعاً أكثر تكراراً قبل أن يحاولا استئجار منزل يلتقيان فيه بين الوقت والآخر، كان ذلك قبل انفصاله عن زوجته، واستمر إلى ما بعد انفصاله عنها.
ظن “م.ف.” أن الحياة بدأت تبتسم له، وأنه سيتمكن من الاستمرار في هذه العلاقة بسلام، فهو يؤدي كافة واجباته العائلية، كما أن لديه حبيباً يستطيع أن يكون على طبيعته معه، لكنّ ابتسامة الحياة لم تدم، فقد عرفت زوجته بتوجهه الجنسيّ، وبدأت بتهديده بافتضاح أمره لعائلته.
لم يرضخ “م.ف.” لتلك التهديدات، فقامت زوجته بإبلاغ أهله وأهل صديقه بعلاقتهما الجنسية، ساعدها في ذلك وقوع بعض الصور التي التقطها الحبيبان لنفسيهما في لحظة طيش، وبدأت رحلة “م.ف.” مع الألم، الاضطهاد، التهديد، والتعذيب.
مرت أشهر طويلة على “م.ف.” وهو في حالة من الذعر الدائم، إلى أن أطلق أحد أخوته النار عليه، في محاولة منه لتهديده بالقتل إن لم يعد إلى زوجته ويعيش حياة ملتزمة دون أن يتسبب بمزيد من الفضائح للعائلة. كان جرح “م.ف.” من الرصاصة سطحياً، وبعد أن ضمدوا له جرحه، قاموا بتقييده في مرحاض وضربه والتبول عليه إلى أن رضخ لشروطهم، وعاد إلى زوجته، التي لا تزال حتى اليوم تلاحقه من مكان إلى آخر، مهددةً بافتضاح أمره هذه المرة في مكان عمله إن تجرأ يوماً على التعرف إلى شخص آخر، أو ممارسة الجنس مع أيٍّ كان، حتى أنها بدأت بحضّ ابنيهما على تعنيفه بكلمة “لوطي” في كل مرة يختلفان فيها.
لا تزال بعض العلامات على جسد “م.ف.” تشهد على تلك الوحشية، ولا تزال حياته دليلاً على مدى الصعوبات التي يتعرض لها المثليون في سوريا، إلا أن “م.ف.” لا يعتقد أنه يعيش، فهو أشبه بالسجين والجسد المحروم من حق الحياة، في كل مرة يستطيع التحدث فيها إلى أحد أصدقائه المثليين يقول: “بتمنى عيش، بس بدي يتركوني عيش، حياتي صايرة متل الموت”…
اترك تعليقًا