كلمة فوبيا Phobia التي ترجمت إلى العربية تحت مسمى “الرهاب” تعني اصطلاحاً الخوف المرضي الذي قد يتحول إلى عرض مرضي نفسي مزمن، لكن استخدام كلمة فوبيا تحول إلى إدراجها في مصطلحات رائجة لتصف حالات العداء والتمييز العنصري أحياناً ضد مجموعة من الأشخاص، حيث تصف هذه الحالة الخوف، العداء، الحقد، الكراهية، التمييز، والتحيز ضد مجموعة محددة من الأشخاص بحسب اللاحقة التي تسبقها.
رهاب المثلية “هوموفوبيا” “Homophobia” هو حالة العداء ضد المثلية الجنسية التي قد تظهر بأشكال مختلفة، بدءاً من الكلمات الجارحة والمهينة، وصولاً إلى حالات الاعتداء الجسدي أو اللفظي ضد كل من يحمل/تحمل مشاعر جنسية مثلية، أي أن رهاب المثلية هو حالة العداء ضد المثليات، المثليين، ثنائيي وثنائيات الجنس، والمتحولين والمتحولات جنسياً، وقد قالت الباحثة والناشطة في حقوق الإنسان King Coretta Scott عام 1998 أن “رهاب المثلية يماثل التمييز العنصري والتعصب الأعمى لأنها تحاول أن تشيطن مجموعة كبيرة من الأشخاص، لتنكر عليهم إنسانيتهم، كرامتهم، وشخصياتهم”.
تصنف بعض التصرفات العنفية ضد أصحاب وصاحبات التوجه الجنسي المثلي تحت خانة “جرائم الكراهية” في االدول الغربية، وفي إحصاء لعام 2010 أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالية أن 19.3% من جرائم الكراهية في الولايات المتحدة “تسبب بها التعصب ضد التوجه الجنسي”.
علمياً، يمكن تقسيم أصناف رهاب المثلية إلى عدة أقسام رئيسية:
رهاب المثلية القائم على طابع مؤسساتي أو جمعي: كرهاب المثلية تحت مظلة الدين، ورهاب المثلية الذي ينشأ بسبب رعاية الدولة لقوانين ضد المثلية الجنسية، وفي معظم الحالات في الدول العربية يكون دورا الدين والدولة متداخلين ومشتركين معاً في حالات العنف ضد أصحاب وصاحبات التوجه الجنسي المثلي.
رهاب المثلية الشخصي المنشأ: وهو تحول بعض الأشخاص الذين يحملون مشاعر انجذاب لنفس الجنس إلى أشخاص معادين للمثلية، خوفاً من أن يتم وصمهم بصفة المثلية الجنسية في مجتمعاتهم، وقد يعود سببه في معظم الأحيان إلى رهاب المثلية المجتمعي.
رهاب المثلية المجتمعي: يتمثل في العنف المجتمعي ضد أصحاب وصاحبات التوجه الجنسي المثلي، مترافقاً بخوف بعض الأشخاص في مجتمعات معينة من أن يتم وصفهم بالمثلية الجنسية بسبب الثقافات الداخلية والفرعية لتلك المجتمعات، خاصة تلك التي تقوم على طابع ذكوري، وتعتبر المجتمعات العربية من أكثر المجتمعات ذكورية في العالم، ويزداد ذلك في مجتمعات داخلية “أو فرعية” ضمن المجتمعات العربية، كالمجتمعات الرياضية والعسكرية والأمنية، بمعنى آخر، تزداد ملامح رهاب المثلية لدى الرياضيين والعسكريين ورجال الشرطة والأمن، وقد يتحول بعضها لدى المثليين منهم إلى رهاب شخصيّ المنشأ أيضاً.
بالنظر إلى أصناف رهاب المثلية الجنسية نجدها متداخلة مع بعضها دون حدود فاصلة كبيرة، وستقوم المجلة باعتماد مصطلح “جرائم الكراهية ضد المثلية” لتصنيف حالات الاعتداء الجسدي على أصحاب وصاحبات التوجه الجنسي المثلي، فيما ستقوم باعتماد مصطلح “رهاب المثلية” ضد أي شكل من أشكال التمييز والعنف اللفظي ضد المثلية الجنسية.
يمكن تصنيف أشكال التمييز والعنف اللفظي ضد المثلية الجنسية ضمن خانات أساسية:
اعتبار المثلية الجنسية منافية للطبيعة:
يعود أول وصف للمثلية الجنسية بأنها منافية للطبيعة إلى أفلاطون، الذي عاد لاحقاً ووصف الحب المثلي بأنه حالة من الحب أسمى وأرقى من حالة الحب بين شخصين من جنسين مختلفين.
حتى وقت ليس بالبعيد، كانت المثلية الجنسية تعامل على أنها مرض نفسي إلى أن تم شطبها مؤخراً من قائمة الأمراض النفسية الجنسية لعدم ثبوت وجود أي اختلال عقلي أو نفسي مرتبط بالمثلية، إلا أن بعض أطباء النفس العرب لم يقوموا بتحديث معلوماتهم حول هذا الأمر، ولا يزال البعض منهم يتعامل مع المثلية الجنسية كمرض أو اختلال نفسي.
هناك أيضاً الأقوال الشعبية التي تربط الدين باعتبار المثلية الجنسية عملاً منافياً للطبيعة، كقول بعض العرب عنها أنها “تهز عرش الرحمن”، أو كما يدرج حالياً في المسيحية الغربية ” God made Adam and Eve, not Adam and Steve “.
إن التعامل مع المثلية الجنسية كأمر مناف للطبيعة قد أدى إلى خلق محاولات عابثة لتغيير الميول الجنسية لأصحاب وصاحبات التوجه الجنسي المثليّ، إما عبر محاولة التغيير الجيني، الصدمات الكهربائية، التغيير باستخدام الدين، الإجبار على الزواج، أو العلاج الذي يستند على بيئة المثليّ أو المثليّة المراد علاجه/ها.
الخلط بين المثلية الجنسية والاعتداء الجنسي على الأطفال:
يعتبر الخلط بين المثلية الجنسية والاعتداء الجنسي على الأطفال قديماً قدم التاريخ نفسه، ولا تزال هذه الفكرة موجودة لدى السوريين وتتمثل بكلمة “بيلحق ولاد” “طبجي” وغيرها، أما في الدول التي مكنت فيها حرية التعبير العلم من الفصل بين المثلية والاعتداء على الأطفال، فقد تحولت سياسة القائلين بهذا القول إلى اختراع مصطلح جديد هو “التجنيد المثلي” أي محاولة أصحاب وصاحبات التوجه الجنسي المثليّ تحويل بعض الأطفال والمراهقين إلى مثليين ومثليات جنسياً بحجة أن أصحاب وصاحبات التوجه الجنسي لا ينجبون، كما ينسب بعض المعادين إلى المثلية حالات الاعتداء على الصبية إلى المثليين جنسياً، رغم أن نسبة هذه الاعتداءات في تلك الدول تتجاوز بشكل كبير نسبة المثليين من الرجال في المجتمع.
إن الحب المرضي للأطفال “pedophilia” هو المسبب الأساس لتلك الاعتداءات، وحاملو هذا المرض الخطير ليسوا مثليي الجنس، لكن أعداء المثلية الجنسية ينسبونه إلى مثليي الجنس من الرجال.
الممارسة الجنسية المثلية هي خطيئة
يتم استخدام الدين من قبل الأشخاص المعادين للمثلية الجنسية للتذرع بمهاجمتها، حتى وإن كانوا غير متدينين، يساعدهم في ذلك أن الديانات الإبراهيمية “السماوية” الثلاثة تحرم المثلية الجنسية.
الإيدز هو مرض مثليّ
يتم التعامل مع الإيدز على انه مرض مثلي، حتى أن البعض في الثمانينيات من القرن الماضي بدأ باستخدام عبارة “الإيدز يبيد المثليين”، في محاكاة لإعلان مبيد حشريّ.
عدا عن الولايات المتحدة الأمريكية، فإن نسب مرضى الإيدز الجدد بين المثليين والغيرين تكاد تكون متقاربة، أما في سوريا، فبحسب ما وصلنا إليه عبر مركز معالجة الأمراض السارية في دمشق، فإن نسبة المصابين بالإيدز من خلال ممارسة جنسية غيريّة (أي غير مثليّة) كان يصل إلى 63% من الحالات، فيما تتوزع بقية الحالات على مثليين، ومصابين بالمرض من خلال نقل دم أو تعاطي مخدرات.
سنخلص في الأعداد المقبلة إلى البحث في تفصيلات رهاب المثلية في سوريا، ونورد أمثلة من الواقع عن كل حالة من حالات رهاب المثلية باختلاف أصنافها.
سامي حموي
SyrianGayGuy@gmail.com
اترك تعليقًا