لم يكن يعلم يومها أن حياته السابقة ستمرّ أمامه كاملةً لعشرة أيام، كلّ يوم، ولم يكن ليحلم أنّ قلبه المريض سيحتمل كل هذه الآلام.
بدا ذلك اليوم عادياً ككلّ أيام (ع) الرتيبة، فحالته الصحية لم تعد تسمح له بممارسة الجنس رغم صغر سنه، إلا أنه كان يحاول الخروج عن مألوفه برحلةٍ إلى إحدى الحدائق، يلتقي فيها بعضاً من الأصدقاء المجتمعين هناك، ويضيع في خيالاته التي لا يسمح لها بالجنوح كثيراً كي لا تؤثر على قلبه المريض.
اعتاد رؤية أمثاله من المثليين هناك، واعتادوا معاً رؤية سيارات الشرطة تذرع الشارع أمامها جيئةً وذهاباً، واعتادوا ألا يقترب منهم أحد، ألا يسائلهم أحد، حتى ظن الجميع أنّ لا أحد يأبه لمثليتهم، فهم وغيرهم هنا منذ سنوات، للكنّ تلك العادة سريعاً ما دمرت.
اقتربت سيارات شرطة من المكان، وأحاطت بهم كمن يداهم عصابةً تهدد أمن الدولة، تصيدتهم واحداً واحداً، وحملت منهم إلى مخفر الشرطة ثلاثين. كادت دقات قلب (ع) تفتك به، فالهدوء انقلب ذعراً، وتقلبات المشاعر تؤذيه.
بدأ الإذلال منذ لحظة الاعتقال، وكانت كلمات التحقير تنهال من كل حدبٍ وصوب، تصل بينها أوامر بالصعود إلى عربة الشرطة لم يكن أيٌّ منهم بحاجة إليها، فقد عرفوا أنهم مستهدفون، وقبل أن يفكروا بطريقة وإمكان خروجهم من الزنزانات التي لما بعد رأوها، بدأت أفكارهم تأخذهم إلى الساعة التي ستلي إطلاق سراحهم… هل سيعرف أهاليهم ميولهم الجنسية؟ هل سيعرفها أهل الحيّ؟ هل سيعرفها زملاؤهم في العمل، وأصدقاء الطفولة…و…و…و؟
توسلوا جميعاً لآسريهم، وطلبوا الصفح عن ذنوب لم يقترفوها، لكنّ صخب التحقير والإهانات كان أعلى من أنّات التوسل، وضاعت ابتهالاتهم بين ميم ونون وألف وياء وكاف، وعرف كل من قريباً لحظتها أنّ هؤلاء جميعاً هم من ينعتهم البعض بالمنايك.
أخبر (ع) في المخفر آسره بحالته الصحية، لكن الأخير لم يأبه، بل أمره بالرقص له عارياً، أمام أنظار ثلةٍ ممن كان الأحرى بهم ملاحقة المجرمين. ولم يكن أمام صاحب القلب المنهك سوى الإذعان، علّهم يلمحون في عينيه حياته السابقة التي يراها الآن كلها، ويرى أكثر ما يرى منها، الغرفة التي شُقّ فيها صدره ليحصل ما في داخله على بعضٍ من الرمق، ولم يكن يعرف أن حقدهم لم يكن وحده ما يعميهم عن آلامه.
“اغتصبوني، مو مرة، أكتر من مرة، وبكل مرّة كنت عم بتمنى قلبي يوقف”، هنا أوقفت (ع) عن الكلام، فما قاله يكفي ليجهز على قلبٍ لم يعيه المرض.
سامي حموي
SyrianGayGuy@gmail.com
اترك تعليقًا