متحررون من قيود الطائفية

المثليون وعلى الرغم من أنهم جزء من المجتمع كنسيج عام بتنوعهم وكثرتهم، إلا أنهم أيضا مجتمع داخل مجتمع. وله صفات تتشابه سواءً أكان في الغرب أم في الشرق. ويتميز المجتمع المثلي في سوريا، والبلاد المحافظة بشكل عام، أنه متقدم على مجتمعه في العديد من الأمور، وأكثر ما يلفت النظر فيه هو تجاوزه عقبات الارتباط الموجودة في المجتمع المثلي.

في مجتمعنا المحافظ يصعب أن يُسمح بإنشاء علاقات عاطفية بين أبناء الطوائف المختلفة، وإن حصل هذا فإن إتمام العلاقة وتتويجها بالزواج أو الارتباط الدائم هو أمر غاية في الصعوبة، بل ويكاد يكون مستحيلا. ولكن المجتمع المثلي يتجاوز هذه المحنة بكثيرٍ من التعالي على كل التسميات.

reach

يعود ذلك لعدة أسباب، قد تجتمع في علاقة وقد يكون أحدها هو الوحيد في أخرى. فالمثليون بكونهم مثليين، قد خرقوا التقاليد حكمًا، وبالتالي لن يكونوا حريصين على الحفاظ على ما هو أقل منها، على الأقل في نظرهم. قد يكون هذا تحررًا في جزئية تجاوز الاختلاف العرقي والمذهبي وغيرها من الانتماءات التي نولد فيها قبل أن تولد فينا. ولكن ما يؤثر سلبًا على صورة المثليين هو التخلي عن القيم التقليدية للمجتمع والتي لا يكون التخلي عنها تحررًا، بل محض تنمرد، ولا يكون الهدف من التخلي عنها الثورة عليها، بل فقط التمرد والمشاكسة وربما التميز الفاقع. فاحترام آداب الطريق، أو اللباقة في الحديث مع الغرباء، أو حتى احترام خصوصيات بعضنا البعض ليست من القيم التي من المجدي التخلي عنها. ولعلي أخصص هنا لا أعمم على أفراد المجتمع المثلي.

قد يقال أن عقد الارتباط المثلي غير شرعي أصلا، بل وغير مقبول أبدا من المجتمع ككل، وفي أغلب الأحيان من المجتمع المثلي. وهذا ما يحرره من شرط تماثل الانتماء المذهبي أو العرقي، بل ومن أي قيد فكري أو اجتماعي. وأن المثليين لا يعتبرون ارتباطهم عقدًا ملزمًا، بل بالكاد اتفاقًا. وهذا ما يجعله منحلا لا متحررًا، والذي هو الحال عند العديدين. ولكن تحرر المثليين من القوالب ما هو إلا اكتفاء ذاتي وإدارة داخلية لشؤونهم بأنفسهم. إذ لا يمكن تطبيق مُثُل المجتمع الغيري، والتي تعيبه في كثير من الأحيان، على المجتمع المثلي. إلا إن تسجيل العقد في مؤسسات الدولة، أو إعطاؤه مرجعية تشريعية ملزمة يضفي بعض الجدية عليه، ويجعل فسخه فسخًا لعقد، لا كذبة أو نزوة فقط. ولذلك فقد يكون تشريع الارتباط وقوننته من مصلحة المجتمع المثلي، ولو كخطوة أولى باتجاه تطوير المجتمع المثلي.

قد نسرق بعض الحقيقة من القصة إن لم ننظر لها من كل نواحيها. فالمثليون في مجتمعنا لن ينتجوا أولادًا، وهذا ما يعفيهم من واجب نقل العقيدة أو الانتماء المسبق، والذي تفرضه معظم الدوغمات، إن لم يكن جميعها. وهذا سبب آخر يضاف لمجموعة الأسباب تلك. فالمثليون لا يرون في ارتباطهم مؤسسة كزواج الغيريين. ربما هو التزام معنوي بالتوحد بشخص آخر، أو هو إرضاء لجانب عاطفي فقط. نظرتنا لأنفسنا على أننا لسنا مواطنين كاملين، أو لسنا أعضاء في المجتمع كغيرنا  الغيريين هي سبب نظرة الغيريين لنا. لنا الحق بأن لا ننظر لأنفسنا كما ننظر للغيرين، ولكن ليس لهذا أن يؤثر على التزامنا ببعضنا، أو على قبولنا لارتباط أحدنا بالآخر. وليس لنا أن نحتقر علاقاتنا أو أن نلوم فشل بعضها على المثلية. قد يقع عاتق هذا الخللل على المثليين أنفسهم، ولكن ليست على المثلية بحد ذاتها.

تجاوز المثليين لاختلافاتهم عند الارتباط ينبع من أنهم لا يرون في الشريك إلا رفيقا في العاطفي والجنس، وداعمًا للشريك في المسيرة الحياتية. لا كما يرى بعض الغيرين في شريكهم. فالبعض يرين في شريكهن عقد تأمين على الحياة، ووسيلة لإنتاج الأبناء المعيلين، والبعض يرون في شركاتهن خادمات أو أدواة متع فقط، وليس هذا ذمًا بالغيرين، وإنما هو وصف لعض علاقاتهم.
الارتباط المثلي هو مجرد التزام بالعفة والتوحد بالشريك ولو عاطفيًا في بعض العلاقات. ولكن هذا لا ينفي أن يكون للارتباط المثلي قدسية الزواج الغيري، وأن يرتقي شكل الارتباط ليصل إلى الزواج عند حلول الظرف المناسب والوصول إلى الشخص الذي يستحق ارتباطًا بهذه القدسية. واحترام علاقات المثليين ببعضهم، صداقات أو ارتباطات عاطفية ينبع من احترامهم لذاتهم لا احترام غيرهم لهم. وعندما يصبح الارتباط المثلي مقدسًا عند الشريكين كما حال الزواج الغيري عند طرفيه سيصبح بالإمكان جعله حالة حقيقة، وخلق مؤسسة زوجية سعيدة متكاملة.

سرمد العاصي

Sarmadorontes@live.com

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: