فقُلْتُ: مَاذَا أَفْعَلُ يَا رَبُّ؟ فَقَالَ لِي الرَّبُّ: قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى دِمَشْقَ.” – أعمال الرسل – 22:10.
“إن فُسطاطَ المسلمين، يومَ الملحمة، بالغوطةِ إلى جانب مدينةٍ يقال لها دمشق، من خير مدائن الشام.” حديثٌ نبويّ إسلاميّ.
إنها دمشق… حيثُ أبصر التاريخُ النور، إنها أقدم المدن، وخير مدائن الشام، إنها حيث شاء الرب أن يذهب شاؤول قبل أن يبصر قلبه النور.
لن تتحدث إلى عربيّ دون أن يقرن فخره ببلده بآيةٍ ما من كتابٍ سماويٍّ ما، إنّ ذلك هو نتاج ما زرعه من هم أسباب المشكلة الأولى، الدين. ومن يجعل من الدين مشكلةً إلا رجال الدين؟ لقد حوّلَ رجال الدين المجتمعات العربية، والمجتمع السوري لا يختلف عنها، إلى توابع هامشيةً لهم، إن الدين والمجتمع متصلان اتصالاً وثيقاً عند الحديث عن المثلية، فما يحرك المجتمع هو وهمٌ ديني من بين أشياء أخرى.
المشكلة الثانية: المجتمع
لقد أسلمت المجتمعات العربية زمام أمورها لرجال الدين منذ وقت طويل، فالحاكم مستبدٌّ وظالم، والناس يرغبون بالتجمع حول ما يجعلهم على الأقل يشعرون براحةٍ ما، «ما لا نستطيع أن نناله في هذه الدنيا، سنناله في الآخرة، وسنذهب إلى الجنة»… ربما كانت هذه هي الفكرة السائدة في كل مكان، لكن ما نسيه العرب أن رجال الدين ليسوا إلا موظفين لدى السلطة، يأتمرون بأمرها بكل خضوع ومذلة.
فيما قبل هذه الأحداث، كان من السهل التحقق من أنّ رهاب المثلية المؤسساتي، كان يتم بالتنسيق بين سلطات الدولة، والمؤسسات الدينية في سوريا، فقد كان الحديث عن المثلية في الكنائس والجوامع يزداد بشكل خاص عندما كان المجتمع المثلي يتعرض لهجمات من قبل سلطات الدولة، ففي أي مكانٍ قد تذهب إليه وقتها، ستجد الشيخ أو الخوري ينقض بهجوم ضارٍ على «ظاهرة الشذوذ في المجتمع». ولعلّ من اللافت أن الحديث عن أشياء كثيرةٍ، من بينها المثلية، أو «الشذوذ» ، كان يبدأ عندما كانت الدولة تتعرّض لهجمات شرسة على الصعيد الدوليّ، فالغاية من الحريّات الدينيّة على ندرتها في سوريا، لم تكن يوماً النصح والإرشاد والتعبّد، بقدر ما كانت توجيهاً للشعب، أو صرفاً لانتباهه عن أشياء أخرى.
قد لا يكون رهاب المثلية في المجتمع السوري على ذات السوية التي هو عليها في دول أخرى، كمصر والعراق والأردن على سبيل المثال، لكن هذه المشكلة في سوريا كانت وستبقى دوماً قائمة، وبرغم أن الدين هو محركها الرئيس، إلا أن العادات والتقاليد التي لا تمت للدين بصلة، بالإضافة إلى عملية القمع لكل المجتمع، تتحكم أيضاً في النزعة الرهابية المثلية بشكل كبير، لكن علينا ألا ننسى أن كثيراً من العادات هي عرضة للتبدل والتغيير، مهما كانت درجة رسوخها. وما كان لرهاب المثلية السلبيّ، من رفض لفظيّ للمثلية، أن يشكل خطراً كبيراً، إلا أن تفاقم المظاهر الرهابية الأخرى هو خطر كبير، لأنها قد تتحول من مجرد مقاطعة وغمزٍ واستخفاف بالمثلي «المفتضح أمر مثليته»، إلى حد أعمالٍ انتقامية عنفية قد تصل إلى حد القتل.
لم يكن الخوف من القتل انتقاماً على «تلطيخ أو تشويه اسم العائلة» المحرك الأكبر لخوف المثليين السوريين بقدر الخوف من القطيعة الاجتماعية أو الطرد من الوظيفة، إلا أننا إن تابعنا قضايا المثلية الجنسية في سوريا على مدى الأعوام الطويلة الفائتة، سنكتشف الكثير من الحوادث المؤسفة، والمرعبة، من استهداف للمثليين من قبل الدولة، أو الأهل أو المجتمع.
رهاب المثلية أمرٌ واقع وموجود، ويزيد من اشتعاله اشتغال الحكومات بتأجيجه بين حين وآخر، وبرغم كثرة النظريات في مسببات رهاب المثلية، إلا أن العنف الناتج عنه يحتاج لخوض في الأسباب أيضاً.
رجال الدين يكررون مراراً على مسامع عباد الله، الصالحين منهم والطالحين، أن المثلية هي شذوذ وخروج عن الطبيعة، يعاقب مرتكبها بالذهاب إلى النار في الآخرة، أما في الدنيا فقد اختلق المسلمون حديثاً ليس له وجود في أيٍّ من كتب الحديث الستة ليدّعوا أن عقوبة «من عمِلَ عمَلَ قوم لوط» هو الرمي من أعلى بناء أو الرمي من شاهق.
يستمع إليهم هذا الشعب المثقل بأغلالٍ من القمع وتكميم الأفواه، ويقتنع أن هذه «الظاهرة» «الدخيلة» هي إحدى المؤامرات «الغربية والصهيونية» التي تريد انحلال المجتمع كي لا يتمكن من متابعة الصمود والتصدي لأطماع الغرب في الشرق الأوسط.
خطبة دينية واحدة، وعظة دينية واحدة، تحول مؤخراتنا إلى عملاء للصهيونية، وتجعلنا كفاراً دخلاء على المجتمع، متشبهين بالغرب الذي يريد الانقضاض على الفتات الباقي لهذا المجتمع ليحرمه منه ويرميه على درب الهلاك.
ويجد هذا الشعب المكمم الأفواه والمقيد بأغلال القمع في رفضه لنا طريقاً ليعبّر لمرّة عن رفضه لشيء ما، حتى إن كان لا يرفضه، ويجد في عنفيته ضد المثليين تنفسياً عن كل الغضب الذي يحمله، دون أن يشعر به أحياناً، تجاه الحاكم أو الشيخ أو الخوري، تجاه دار الحكومة أو الجامع أو الكنيسة، تجاه كل ما يريد له أن يكون مسيراً رغماً عنه في اتجاه ما.
قد لا يؤمن مجتمعنا السوريّ في مجمله بالعنفية ضد المثليّة الجنسيّة، لكن ممارساته العنفية ضد المثليين مردها بشكل خاصٍ إلى افتقاره لجميع أشكال الحريات التي يستحقها. وفي المرحلة الراهنة، دخل قمعٌ جديد يستند على الدين إلى سوريا، وأصبح استهداف المثلية أسهل من ذي قبل، لذلك أصبح من الضروري الآن توعيةُ المثليين ونشر ثقافةٍ مثليةٍ جديدة، وترسيخ ذهنية التكيف مع الوضع القائم، دون أن يتحول ذلك إلى خوف مرضيّ، ومحاولة الوصول إلى وسائل لزيادة وعي الغيريين السوريين بقضايا المثلية والتحول الجنسي في سوريا.
سامي حموي
SyrianGayGuy@gmail.com
اترك تعليقًا