مجلة فضائحية مثلية

في إحدى الليالي بينما كنت أتصفح موقع التعارف المثلي الأشهر باحثاً بين الحسابات التي حفظتها ومللتها عن أحد مختلف، أحد جديد لم أره من قبل، أحد يشدني إلى الخروج معه أكثر من مرة أو على الأقل محادثته أكثر من مرة، لمحت اسماً مختلفاً. ظننت أني وجدت ضالتي. ظننت أني وجدت منافساً لنا، لمجلتنا “موالح”.

كان اسم الحساب يوحي بأنه مطبوعة للنشر من نوعٍ ما فاعتقدت أنه بالفعل شيء يستحق الاهتمام والقراءة. ولكن سرعان ما تغير رأيي عندما نقرت على اسم الحساب ودخلت إلى صفحته الأساسية. كانت تتوسط الصفحة صورة شاب وسيم ذو ابتسامة جذابة. وتحتها لائحة بعناوين مختلفة مع فقرة مكونة من حوالي 5 أسطر لكل اسم.

ألقيت نظرة أعمق فوجدت أن العناوين هي أسماء أنثوية. فاستنتجت على الفور أنها أسماء بعض الشبان المثليين في “الجو”. لقد قمت بالتفكير في الامر سابقاً ووجدته أمرأ طريفاً؛ أن يكون لشاب اسم دلع أنثوي يناديه به أصدقائه. ما الضير في ذلك؟ ولكن ما كان مذكوراً في الفقرات هو ما فاجأني.

بدأت بقراءة الفقرة الأولى فوجدتها مليئة بألفاظ بذيئة، عرفت بعضها وجهلت معظمها. تابعت القراءة فوجدت معلومات تفصيلية عن الاسم المذكور كاسمه الحقيقي وعمله أو دراسته وسجله الغرامي والجنسي. ومن ثم قرأت المعلومة التي صدمتني فعلاً. ذُكر في نهاية المقطع رقم جوال صاحب الاسم.

ألقيت نظرة سريعة على بقية الفقرات وإذ بها مشابهة للأولى. معلومات شخصية، قصص وفضائح، ومن ثم رقم الجوال. وفي نهاية الصفحة قائمة بأسماء فتيات وطلب من صاحب الصفحة أن تقوم “الزائرة” بالتصويت على الاسم الذي تريد أن تعرف معلوماته كاملةً في العدد القادم.

جلست قليلاً وبدأت أفكر بما قرأت وتساءلت إن كنت أبالغ في ردة فعلي. فالمعلومات الموجودة لا تؤذي كثيراً. ثم تذكرت رقم الجوال مع الاسم والمهنة. فقلت لنفسي أن كل رواد الموقع هم من المثليين أو الباحثين عن الجنس، فما الدافع للقلق؟ ولكن ليس ذلك ما صدمني.

من كتب الصفحة كان على علم بكافة تفاصيل حياة هؤلاء الشباب، بعضها يصل إلى حد إساءة معاملة الاهل لهم وضربهم بالزنار، ومع ذلك لم يتوانى عن نشرها على صفحات الانترنت. فما كان دافعه لذلك؟ أهو بالفعل إنسان أناني لا يأبه بغيره أم هل قام هؤلاء الشبان بأذيته وأراد الانتقام منهم؟ أكان فعله من باب التسلية فقط؟ أفكّر بما قد تكون ردة فعله هو إذا رأى اسمه مكتوباً في الصفحة مع كل تلك التفاصيل الحميمة عن حياته؟ أم هل كان الأمر برمته لعبة منسقة بين المشاركين؟

تساؤلات كثيرة راودتني ولا أدري ما هو الصحيح منها حتى الآن. ولكنني على يقين من أمر واحد، لقد شعرت بالاكتئاب عند قراءة الصفحة. شعرت بالاكتئاب لأنانية بعضنا وعدم إحساسهم بالمسؤولية الاجتماعية التي تقع على عاتقنا كمثليين.

ألا يكفينا ما نتعرض له من انتقادات وتهديدات وسخرية من باقي شرائح المجتمع؟ أنحتاج حقاً لنقوم بذلك لبعضنا البعض؟ ألا يجب علينا أن نحفظ أسرار بعضنا ونحاول أن ندافع عن بعضنا البعض، وإن لم نكن أصدقاء أو لم تعجبنا شخصية الآخر؟

عندما أدخل في نقاشات حول المثلية مع بعض أصدقائي الغيريين أو عائلتي، غالباً ما يقولون لي “ليك شوف هالمناظر. هدول هنن يلي عم تدافع عنون؟” وأنا كنت أردد دائماً أن لكل فرد في المجتمع حرية اختيار طريقة لبسه وحياته. وعندما كانوا يقولون “بس هدول كلون وسخين وباعوا حالون وجسمون” كنت أدافع بالقول أن المجتمع هو من دفعهم في ذلك الاتجاه.

فعندما تنمو في عائلة ومحيط يحتقرك ويرى فيك مرضاً أو شيطاناً أو نجاسةً، تتجه نحو من يتقبلك، نحو من تعتقد انه مثلك. وشيئاً فشيئاً، تصبح مثلهم لأنهم يتقبلونك على حقيقتك. ألم يكن حرياً بالأهالي الخائفين على مستقبل أبنائهم المثليين تقبلهم بدلاً من تعنيفهم، جسدياً أو نفسياً، ومحاولة تغييرهم؟ ألم يكن ذلك لينجح في إبعادهم عن “طريق السوء”؟ كنت دائماً أحاول شرح هذه الفكرة لمعارضي المثلية وغالباً ما كانوا يصمتون. يصمتون صمتاً يدل على تشكيكهم بما كانوا متأكدين منه وبدء اقتناعهم بها.

وبعد التفكير أكثر في القضية، ما زلت على قناعاتي السابقة كلها. ما زلت مقتنعاً بأنه علينا محاربة الجهل والتخلف. ومازلت مقتنعاً بحرية تقرير المصير لدى الأفراد؛ كلاً منا يعيش حياته بالطريقة التي يراها مناسبةً. ومازلت مقتنعاً أنه لو لم يتعرض بعضنا لما تعرض له في صغره، لما اضطر إلى تقسية قلبه وفقدان ثقته بكافة من حوله خوفاً من ولوج مشاعر الكره والحقد والاستحقار إلى داخله لتحطم ما تبقى منه.

ولكن أضفت إليها قناعة جديدة الآن. في أي فئة من المجتمع، مهما كبرت أو صغرت، مهما تنوعت أو تجانست، يوجد أشخاص جيدون وأشخاص سيئون. وهذا لا يسوغ في أي حال من الأحوال أن نمنع الفئة بأكملها من العيش بكرامة أو أن نحجب عنها حقوقها المشروعة، مهما تفاوت النسبة بين الصالح والطالح.

آدم دومري

Adam.Domari@gmail.com

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: