أأنا ما زلت أنا بعد لقياك؟ لو كان الزمن يكتب بأيدينا لفعلت، وأعدت أياماً وشهوراً، لتلك اللحظة التي كنت أسرق منها ما أتيح لي من لحظات لاسترق النظر إلى عينيك، وكلما نظرت إليهما أشعر أنني أستطيع أن أعيش فيهما مدى الحياة.
وفي مدينتي الحزينة مقاعد خشبية وأسوار بيضاء شامخة، وأنا أخط بين جدرانها حكاية جديدة، أرسم قصتي، حب رجلٍ لرجل.
أجل، رجلٍ لرجل، ألسنا نحن من نحب؟ فلنكتب ما أردنا، وها أنا ذا أحاول أن أستعيد ذكرى الكلمات العابرة في ذهني حين أحببتك، وأن ألملم حبر ما عجزت عن كتابته في ثلاثة الشهور الماضية، حين أضعت قلمي وصرت أرسم بالممحاة أحلامي، راضيًا قبل رؤياك ما لم أرضه بعدك.
لن أبتعد كثيراً، فأمسنا كان البارحة، وسطور دفترك كثيرة كثيرة، أملأها بما في عينيك من بريق وشفتيك من رحيق وشعرك من تموجات، فدعني أمزق سطراً، أضع بعض النقاط وأنفاسي.
الحب في مدينتنا ثلث جريمة، وكنا أنا وأنت الثلثين الباقيين، قلت أنت حينها: أخبرني عنك. ما أخبرك عني؟ أنا في حضرتك تفاصيل مملة، رماد وغبار، فأنت الشمس والكواكب والمدارات، كنت ولا زلت جرعة صباحي من الحنان، تبقيني على قيد الأمل.
ثمة كلمات ننسى بعض حروفها أثناء كتابتها لفرط ما عشناها فعلَّنا بحذف ذلك الحرف نكسر ضجر الحياة فيها، قلت له حينها: “بحبك”، فدخل قلبي وتربع على العرش وصرت أحيا بأنفاسه وأفكاره، أتأثر لجراحه وأُشفى من ضحكاته، بوجودنا معاً لا معنى للموت ولا معنى للحياة.
شفتاك مسكن رغباتي، عيناك يا بلادي الخضراء، خداك مسرح أحلامي، نظراتك طمأنينة روحي، لمساتك مقبرة أوجاعي، صدرك متكئ رأسي المثقل بعبئ الحياة.
أصابعي لا زالت تحمل عبق سلامك المعطر وتسكن بين ضلوعي ابتسامتك الدافئة، ياسمين أنفاسك ما غاب عنّي، عطر قميصك وخطوات، ما كبرت لحظة في البعد بل صرت أقرب.
ما بيننا مجرد مسافة وبضع زمن، بل ما بيننا هوأكثر من مجرد زمان أو مكان، ما بيننا هوما يجعل هذا الكوكب على قيد الحياة، هوما يجعلنا أنا وأنت كما نحن في روعتنا، وكلما أحسست ببرودة كوكبنا سأدفئه، سأصرخ أحبك.
نوار جيرون
Jairoun.nawar@gmail.com
اترك تعليقًا