تروي الروايات أن رجل دينٍ ما عصى أمر الأباطرة الرومان، في وقت كانت فيه المسيحية جرماً، وأخذ يقوم بتزويج الجنود الذين كان يُحظر عليهم الزواج، كما كان يهتم بحال الرعية المسيحية المضطهدة، فتم اعتقاله والحكم عليه بالإعدام، لكنه قبل أن يُقتل، قام بشفاء ابنة سجّانه، وكتب لها رسالة بدأها بكلمة “من مُحِبّك فالنتاين”.
ما فعله القديس فالنتينوس في ذلك الوقت كان ثورة على الكراهية، على الاضطهاد، وعلى الظلم، لكنّ أحداً لم يأبه لجانب العشق في ثورته إلى أن مرّت عقود طويلة، بدأ بعدها فرسان القرون الوسطى بالتعبير عن عشقهم عبر إرسال الورود وبطاقات التعبير عن العشق الذي يعتمل بهم، وأصبح يوم الاحتفال الكنسي بالقديس فالنتينوس، هو يوم عيد العشاق في كل مكان، وأصبح التعبير عن الحب فيه أمراً مسلماً به، دون أن يخطر ببال العشاق ذكرى قديسهم الثائر.
يصدر هذا العدد من المجلة في شهر شباط، الذي يحتفل فيه العشاق بعيدهم، وبينما يغطي اللون الأحمر كل أيامنا السورية، إلا أن درجة لون عيد العشاق قد حاولت أن تطغى وتثور على رائحة الدم والقتل، لعلّ حباً ما يولد ليمحو آلام الكراهية المعتملة في قلوب بعض السوريين.
قد نحتاج كمجتمع مثلي إلى ثورة كثورة فالنتينوس على كل الأعراف والقوانين كي نحتفل بالحب فيما بيننا، لكننا قبل ذلك نحتاج إلى ثورات على أنفسنا ورغباتنا، لنصل إلى حالة الحب التي تفرض احترامنا لبعضنا البعض، قبل أن نتمكن من انتزاع حقنا في الحب من مجتمعاتنا، فمعظم قرّاء المجلة الذين قمنا بطرح بضع أسئلة عليهم، أجابوا بعدم إيمانهم بإمكان استمرار العلاقة المثلية، بل إن معظمهم رجح أن الجنس والانجذاب الجنسي هو الناظم الأكبر للعلاقات المثلية، مما يجعل من الإخلاص في العلاقة أمراً شبه مستحيل، مع تأكيد معظمهم على أن ذات الأمر يحدث ضمن العلاقات الغيرية أيضاً.
ينظر معظم المثليون في مجتمعنا السوري إلى العلاقات بعين الريبة، كما يعد كثير منهم تلك العلاقات ترفاً غير مرغوب في مجتمع محكوم بالكراهية للمثلية الجنسية، ويعزون معظم مشكلات العلاقات المثلية إلى المجتمع في الغالب، وإلى عقدة الذنب التي يعاني منها بعض المثليين أحياناً، يقول طارق، “أهم الأسباب التي تؤدي لفشل العلاقة المثلية هي مجتمعنا الشرقي الذي يرفض مثل هذه العلاقات بغض النظر عن الدين، فإن قمنا بإغفال مشكلة الدين، لن يتقبل مجتمعنا العلاقات المثلية، كما أن عائلاتنا لا تستطيع تقبل مثليتنا”، بينما يقول Abd Del Ray “قد لا يجد أحد الطرفين أية مشكلة مع مثليته، مما يبعده عن تأنيب الضمير الذي قد يشعر به الطرف الاخر الذي يعتقد أن مثليته هي جرم أو ذنب”.
عدا عن إشكالية عقدة الذنب التي يعاني منها الكثير من المثليين والمثليات، تعاني العلاقات المثلية من إشكالات كثيرة، تبدأ بتعريف معنى الإخلاص في العلاقة بين طرفيها، ولا تنتهي بشعور الإحباط من استحالة مشاركة الحياة بينهما بسبب ظروف المجتمع والقانون التي أضافت لها ظروف الحرب الحالية الكثير من العقبات.
لعلّ أكبر مشكلة تواجه العلاقات المثلية هي الإخلاص، ولعلّ المانع الأكبر للإخلاص بين طرفي العلاقة المثلية هو وقوعهما في فخ الصورة النمطية التي يريد المجتمع لهما الوقوع فيها، مما يجعل معظم التعليقات على مسألة الإخلاص تدور في فلك رهاب المثلية ذاتي المنشأ، التي ترسخ لفكرة المجتمع عن المثليين والمثليات بأنهم كائنات شهوانية تعاني من إدمان الجنس وانحلال الأخلاق، فالمثليون “عيونهم زايغة” كما يقول John Ahmad، بينما يقول Marw Nice أن سبب عدم نجاح العلاقة هو أنها لا تبنى على أساس التفاهم، بل “على الشهوة التي قد يراها المثليّ في شريكه”.
عدم الإخلاص يعني الخيانة، وفيما نفى الكثير من القراء خيانتهم للشريك، امتلك بعضهم الشجاعة الكافية للاعتراف بها، مقرّين بأن سبب خيانتهم كان دافعه خيانة الشريك، بينما أصرّ (م.ف.) أن خيانة الشريك ستكون السبب الوحيد ليقوم هو الآخر بفعل الخيانة، إلا أن قارئاً طلب عدم الكشف عن اسمه قال أنه قام بخيانة شريكه لاعتقاده بأن شريكه قد سبقه إلى فعل الخيانة، ليكتشف بعد نهاية العلاقة أنه قام بخيانة شريكه بناءً على ظنٍّ خاطئ، أما Black Scream، فقد اكتشف أنّ خيانته لشريكه كانت خيانةً لإنسانيته، مضيفاً، “كنت أحاول وقتها أن أعاقبه على ماكنت أسميه وقتها خيانة منه، لكنّ نسبة أذيتي من خيانتي له أكبر بكثير من نسبة تأذيه هو منها”.
ليس البحث في أسباب الخيانة سهلاً، لكنها مؤلمة للجميع، وبينما كانت إجابات جميع من اعترفوا بفعل الخيانة أن أهم ما يسهم في إنجاح أية علاقة هو الصدق والوضوح، كان إقرارهم بفعل الخيانة أشبه بدليل على فشلهم في مصارحة الشريك، وفيما أظهر بعض القرّاء يأسهم من إمكان تحقق الإخلاص في العلاقة المثلية، أكد معظمهم أن غالبية المثليين والمثليات قادرون وقادرات على الإخلاص كقدرة بعضهم على الخيانة، فالمجتمع المثليّ متنوع، وتحكم علاقاته نفس النظم التي تحكم العلاقات الغيريّة أيضاً.
كان المثليون والمثليات في سوريا يحتفلون بعيد العشاق بطرق مختلفة، لعل أكثرها شيوعاً الحفلات الخاصة للشباب المثليين التي كانت تقام على أطراف المدن، كبديل عن السهرات في الأندية الليلية والبارات المثلية في دول أخرى، لكن هذا العام كان مختلفاً قليلاً بسبب الأوضاع الأمنية وحالة الحرب التي تعم البلاد، مما اضطر الكثيرين إلى تغيير عاداتهم، ومحاولة الاحتفال مع أصدقائهم بطرق أكثر بساطة وأقل كلفة، وكما كل المناسبات، تبرز في عيد العشاق أمنيات نرجو أن تتحقق، ولعل العشق الأكبر للسوريين والسوريات الآن هو الوطن الذي يأملون أن يعبر هذه المرحلة، لتعود سوريا بلداً آمناً، مع أمنية أن تتسع لجميع أبنائها وبناتها، بما فيهم مجتمعنا المثلي.
فتى وفتاة الأحلام كانت في بال القرّاء، ورغم يأس البعض من وجود مثل هذا الحلم، إلا أن الكثيرين لا يزالون يؤمنون به، لكننا يجب أن لا ننسى أن حصولنا على ما نحلم به يتطلب منا أيضاً جهداً، فعلينا أن نتذكر أننا لن نستطيع التغلب على نظرة المجتمع النمطية للعلاقات المثلية دون أن نتغلب على نمطيتنا في التفكير، وعلى نظرة التعميم التي نحكم بها على غيرنا من المثليين، فالسقوط في مثل هذا الفخ سيجعل من مهمتنا في إقناع المجتمع بجدوى تقبلنا أمراً أشبه بالمستحيل.
اترك تعليقًا