رغم وحدة المعاناة المثلية العامة، وكثرة المشكلات التي يقع فيها المثليون في مجتمعاتهم، إلا أنهم لا يزالون يعانون من مشكلات أخرى داخلية تقف عائقاً فيما بينهم، وتمنع اتحادهم بشكل كاملٍ معاً، لعلّ أحدها وأهمها هي عنصريتهم تجاه بعضهم البعض ضمن المجتمعات المتفرعة عن المجتمع المثليّ، فمجتمع الـBear في سوريا، منفصل بشكل شبه كامل عن بقية المجتمع المثليّ، ولعلّ المرد الأساسي لذلك هو طبيعة اللغة المستخدمة من كلا الطرفين تجاه الطرف الآخر.
يمكن أخذ فكرة عامة عن الموضوع عبر نظرة بسيطة إلى ملفات التعريف الشخصية على المواقع الالكترونية المختلفة، فتجد عبارات مثل “ما بدي سمان”، “السمان يبعدوا عني”، “ما بطيق المكرّشين”، وغيرها، وتجد في الطرف المقابل “ما بحب النحاف”، “إذا كنت ضعيف لا تبعتلي”، “الصغار والنحاف يبعدوا عني”.
قد تكون هذه اللغة التي تستفز الآخر سبباً في ابتعاد المثليين عن بعضهم البعض، واضعين بذلك سبب فرقتهم وشرذمتهم، في مجتمع يصنفهم جميعاً تحت ذات التصنيف، فهم جميعاً، سماناً، نحافاً ورياضيين، أصحاب مظاهر خشنة أو ناعمة، هم بلا استثناء في نظر المجتمع، لوطيون.
“لا أدري كيف ينجذب أحد إلى رجل سمين ذي بطن كبير”، “لا أدري ما يمكن أن يثير الإعجاب في شاب معتدل الجسم”، جملتان متناقضتان كثيرتا الترداد في طرفي المجتمع المثلي الرئيسيين في سوريا، يرددها أصحابها بصيغة مشمئزة، وتعابير وجه توحي بالازدراء والقرف من الطرف الآخر، تماماً كجملة “تهز عرش الرحمن”، وجملة “كيف تستطيع أن تقدم على فعلٍ مقرف -أي المثلية- ومنافٍ للطبيعة كهذا؟” التي يرددها الغيريون من كارهي المثلية في المجتمع السوريّ الأكبر.
“فرّق تسد”، هي سياسة يتبعها الحكام والدول، ليفرضوا سيطرتهم على دول وأفراد ومواطنين، لكننا نجحنا كمثليين في خلق هذه التفرقة فيما بيننا، دون أن يحتاج المجتمع الغيريّ والساسة إلى استحداثها، لنزيد من فرقتنا ومعاناتنا، ونزيد من الصعوبات التي تعترضنا للوصول إلى أبسط حق قد نطلبه، ألا وهو إلغاء تجريم المثلية الجنسية من القانون.
قد لا نستطيع فهم أسباب الانجذاب الجنسي نحو شخص دون آخر، فحين كنا بصدد الإعداد لهذا العدد، طرحنا سؤالاً حول أسباب انجذاب البعض للـBears، لكن معظم الإجابات كانت، على اختلاف صيغها، تحمل نفس المعنى الذي يقول “لا أدري، يجذبني شيء ما إلى الرجل الضخم المشعر”، ولم يستطع أحد تفسير السبب، وفي المقابل، تجد أشخاصاً يسلمون بحتمية الانجذاب إلى شاب متناسق الجسم، متناسين قسماً يعدّ هو الغالب في المجتمع المثلي السوري، ممن يصنفون تحت مسمى Bear أو ممن يحبون من يقع تحت ذلك التصنيف، غافلين أيضاً عن حقيقة أن المجتمع الغيريّ لا يتفهم سبب انجذابهم نحو الشباب مهما كانت طبيعة أجسامهم.
من الهام أن نتذكر أن ثقافة الـBear بدأت في الظهور والانتشار بسبب رفض هؤلاء للنظرة النمطية من المجتمع المثليّ حول الصفات التي قد تجعل من رجل ما “جذاباً”، كما أنها ظهرت أيضاً كردٍّ على ما قد يسمى عنصرية تجاه الرجال الأكثر سمنة والأكبر عمراً في المجتمع المثلي الذي يدور في جوهره حول المظهر وطريقة التصرفات، لكنّ هذه الثقافة اتخذت منحىً آخر مع مرور الوقت، وأصبحت أيضاً لا تخلو من العنصرية تجاه الأطراف الأخرى، مستخدمة كلمات مستفزة وجارحة مشابهة لتلك التي كانت تستخدم ضدهم.
ربما حان الوقت الآن لنعيد النظر في اللغة التي نستخدمها للتعبير عن رغباتنا وما يجذبنا جنسياً، لنصل إلى لغة لا تجرح ولا تهين الآخر، ففي النهاية، جميعنا مثليون، وكلنا موالح، فالحياة من دون الـBears ناقصة وبلا طعمة، والحياة بدون بقية المثليين هي بالتأكيد ناقصة وبلا طعمة.
سامي حموي
SyrianGayGuy@gmail.com
اترك تعليقًا