يقبع الكثير من البشر أحياناً فيما يسمى “كهف أفلاطون”، وفيه يتقوقع الإنسان على نفسه ويعتبر أن ما يراه فقط هو الحقيقة، منكراً كلّ ما يمكن أن يغير أمانه المختلق الذي يرسمه في ظلمة كهفه، محاولاً الابتعاد كل البعد عن معرفة الحقيقة الأكبر التي ستصدمه تماماً كما تعمي شدة ضوء الشمس عينيّ من كان يقبع في ظلمة طويلة، مما يدفع هؤلاء للانفصال عن الواقع، وإنكار أية حقيقة قد تعصف بأمانهم المزعوم.
لعلّ أكبر الأمثلة على ذلك هو ما كان عليه الحال في المجتمع المثلي السوري الذي كان أفراده يتجاهلون ما يتعرض له بعض من أقرانهم من اضطهاد – سواء أكان ذلك الاضطهاد نابعاً من القانون ورجاله، أو من المجتمع الذي يعاني من رهاب المثلية – محاولين إقناع أنفسهم أنهم أفضل حالاً من غيرهم في بلدان أخرى، رغم الخوف الدفين الذي يمنعهم من التصرف على سجيتهم في معظم أوقاتهم، خوفاً من ذات الاضطهاد الذي ينكرونه.
ذهب بعض المثليين أبعد من ذلك، وأرسلوا لنا قائلين أنهم لا يطلبون حقوقاً مثلية، مستنكرين محاولتنا في المطالبة بتلك الحقوق، الأمر الذي يدفعنا لنقول لهؤلاء أن كثيراً منا يريد فقط إبعاد سلطة القانون عن أعضائنا الجنسية، ولا نطمح لأكثر من ذلك في المستقبل المنظور، وإن نجحنا في ذلك، يمكنكم على الأقل العيش في كهف أقل ظلمة، دون أن تجبرونا على مشاركتكم في ظلامكم.
ذات الحالة تحولت لدى البعض إلى حالة من النكران لما يحدث في سوريا، فتجد البعض يجيبك عند سؤاله عن أحوال منطقته، “ما في شي، كلو تمام، والحياة ماشية”، بل وتفاقمت تلك الحالة لدى البعض إلى حد إرسال الرسائل إلى موالح التي تسأل عن أماكن بيع المجلة، وكيفية الحصول عليها في سوريا، تلك الرسائل التي كان عددها كبيراً إلى حد أننا توقفنا بعد مدة عن الرد عليها، خاصة بعد أن وضعنا في أذهاننا أن عدد شهر نيسان سيكون عن سوريا، لأننا ارتأينا أن الإجابة الأفضل ستكون عبر صفحات هذا العدد.
تنقسم المناطق السورية إلى عدة أقسام حالياً، منها ما يخضع لسيطرة الحكومة السورية بشكل كامل، بينما يقع قليل منها تحت سيطرة فصائل مختلفة من الجيش الحر، وتخضع بقية المناطق لسيطرة مجموعات إسلامية متشددة كجبهة النصرة وأحرار الشام، وفيما لا تظهر سمة غالبة على المناطق القليلة التي تسيطر عليها كتائب أو فصائل الجيش الحر، يعرف الجميع بشكل قطعيّ طبيعة الوضع في المناطق الأخرى.
مع أخذ تلك المعرفة القطعية بالحسبان، ومع افتراض أنّ مجلة موالح مطبوعة وتوزّع بشكل علني عجائبي في المناطق السورية، يصبح القارئ أمام خيارين رئيسيين، أولهما القيام بشراء المجلة من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية وتطبق فيها قوانينها النافذة، وفي هذه الحال يمكن اعتقال القارئ بتهمة اللواطة، وزجه في السجن لمدة قد تصل إلى خمس سنوات، أما الخيار الثاني فهو شراء المجلة من مناطق تخضع لسيطرة المجموعات الإسلامية المتشددة، والتي قد تقوم بتطبيق عقوبة الرمي من شاهق على قارئ المجلة، بتهمة اللواطة أيضاً.
تعيش سوريا الآن حالة حرب قذرة، لا يمكن لأي طرف فيها أن يدعي أنه سينتصر حقاً، فالمنتصر فيها سيجد نفسه في مواجهة حالة من الدمار التام للبنى التجتية والمرافق في معظم المناطق، عدا عن الدمار الشامل لمدن وقرى، وفي أفضل الأحيان، لأحياء بكاملها، ذلك الدمار الذي درس أبعاده مهندس سوريّ، وخلص إلى نتيجة مرعبة، أقلّ جوانبها مدعاة للقلق أن سوريا لا تملك الماء الكافي لإعادة إعمار ما تهدم فيها.
تلك الحقيقة الصادمة التي تتعلق بأمر واحد فقط من مظاهر الدمار الذي حلّ بوطننا، مخيفة بشكل كافٍ لتدفع أياً كان للخروج من كهفه، ومجابهة الحقيقة، علّه يستطيع تغيير الأمر المفروض، فالحرب وإن بدأها الساسة والقوى المختلفة، يبقى الشعب هو المانع الأكبر لأية محاولة للإبقاء عليها، حيث تبرز في مثل هذه الحالات أهمية الحوار ومحاولة التقارب ودور حركات المجتمع المدني في نبذ أيّ سبب من الأسباب التي قد تطيل من عمر الحرب.
قد تشابه هذه الحرب في بعض جوانبها الحالة العراقية، التي تعرض المثليون خلالها لأبشع حالات التعذيب والقتل، حيث تم استهدافهم من قبل جماعات متطرفة، لم تكن في الحالة العراقية تنتمي للطائفة السنية المتهمة بالوقوف وراء التطرف في سوريا، حتى وصل عدد اللاجئين واللاجئات من المثليين والمثليات من العراق في سوريا إلى ما يقارب الخمسين ألفاً في عام 2010، بحسب إحصاءات للمفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة.
لم تعد حالة السبات المثليّ أمراً يمكن لنا في موالح تقبله، لأن تلك الحقائق تضعنا أمام خيارات جميعها قد يؤدي إلى مزيد من البؤس في الحالة المثلية، ولم يعد من المقبول أن نسكت عن اتهام صرخاتنا ومحاولتنا في نشر الوعي حول المثلية الجنسية بأنها ترف في المرحلة الراهنة، بل هي الخطوة الأساس في الحصول على حقنا في الحياة دون خوف من اضطهاد أو قتل، لكنّ الأهم من ذلك، هو طلبنا من المجتمع المثليّ أن يقف صفاً واحداً نجتمع فيه على حبّ سوريا، دون أن نعير اهتماماً للساسة القابعين في أماكنهم، والمتغاضين عن كل الانتهاكات التي ترتكب من قبل مريديهم في حق الوطن وحق السوريين.
نعتذر عزيزنا القارئ الآمن في كهفك المنعزل عن توجيه هذا الضوء الشديد إلى عينيك، لكننا نرى أنّ وقت السبات قد انتهى، وعلينا أن نصحو جميعاً لنعترف بما يجري بتجرد، ونبدأ نقاشاً حول دورنا في بناء وطن يتسع لجميع السوريين، مثليين وغيريين.
سامي حموي
SyrianGayGuy@gmail.com
اترك تعليقًا