عوجا كتير… كتير عوجا

بعد قراءة وافية لمواد الدستور، والطرق المشروعة لتعديل، تغيير، أو إلغاء القوانين، نجد أنفسنا أمام معضلة حقيقية في ظل الدستور ونظام الحكم الحاليين في سوريا.

صلاحيات القاضي في سوريا لدى إصدار الأحكام تنحصر في الرجوع فقط الى التشريعات النافذة في قانون العقوبات العام والخاص، وأصول المحاكمات الجزائية، وإن لم يرد فيها نص محدد، يستقي حكماً من الشريعة الإسلامية.

كما يقيّد الدستور جميع الحريات بكلمات مثل “وفقاً للقانون”، “بحسب ما ينظمه القانون”، مما يعطي مخرجاً دستورياً للمشرّع للحد والتقييد من الحريات، بل وحرمان الفرد منها أيضاً.

العوائق والعقبات القانونية والدستورية التي تقف في وجه العمل على حقوق المثلية، كثيرة، تتطلب كما يظهر واضحاً تغييراً للدستور، وللمواد القانونية المختلفة التي تحد من الحريات وتقيّد حركة المواطن، يتطلب العمل عليها تغييرات جذرية لكل ما هو قائم في سوريا، بدءاً من صلاحيات رئيس الجمهورية، وانتهاءً بالقوانين النافذة، مع التنويه أن تعبير “رئيس الجمهورية” يعني المنصب، ولا يعني رئيس الجمهورية الحالي، فهذه العوائق ستبقى موجودة بعد أربعة عشر عاماً، في حال تم انتخاب الرئيس الحالي لدورتين أخريتين، وهي أقصى مدة يمكن له أن يترشح خلالها لرئاسة الجمهورية، بحسب الدستور الحالي.

قد يكون التدليل بالأمثلة على مدى تطرف الدستور الحالي هو أبسط طريقة لفهم أعمق لصعوبات العمل، فمن تقييد الحريات دستورياً وقانونياً، إلى القوانين المجرمة لكل ما لا يوافق هوى المشرّع، سيغرق السوريون في حالة متكررة من القمع قد لا تنتهي.

عند تناول حرية المعتقد على سبيل المثال، قد نلحظ غياب خانة الديانة في معظم الوثائق الرسمية، لكنها تبقى حاضرة في دفتر خدمة العلم وبعض ملفات السجل المدني، لذلك لا يستطيع مسيحيٌّ على سبيل المثال الزواج من مسلمة دون أن يشهر إسلامه، بينما لا تستطيع المسلمة التي ترغب بالزواج من مسيحي تغيير دينها، بسبب أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي والأساسي للتشريع، وبذلك تمنع الردّة بقرار مشمول في الدستور، وبالتالي، أصبحت حرية المعتقد مقيدة بمواد الدستور وأحكام القانون، ولم تعد حرية حقيقية.

أما بالنسبة لحريّة التعبير، فنحن كمجتمع مثلي نعترض على اعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي والأساسي للتشريع، ويفترض أن يعتبر هذا الاعتراض مشمولاً بحرية التعبير، لكن القانون لم يفصل ما هي الطرق التي يمكن اعتبارها اعتداءً على الدستور، فيمكن استخدام المادة القانونية التي تمنع الاعتداء على الدستور لاعتبار هذا الاعتراض اعتداء عليه، ومعاقبة صاحبه أو صاحبته بالسجن.

كما يعتبر إصدار مجلة كموالح مشمولاً بحرية التعبير وحرية الرأي وحرية الصحافة، إلا أننا قد نتعرض لملاحقة قانونية تحت المادة 520 من قانون العقوبات التي تجرم الأفعال الجنسية “المنافية للطبيعة” وهي ذات المادة التي يستخدمها القانون لملاحقة المثليين والمثليات جنسياً.

ولن تجدي أية محاولات لاستحضار سابقة قانونية، قد تفتح الطريق أمام مناقشة تغيير بعض القوانين، فلا يمكن للمحامي الاستعانة بأية وسيلة خارج نطاق كتب القانون للدفاع عن أي متهم، فلا يمكن له على سبيل المثال استجلاب أبحاث طبية تقرر أن المثلية الجنسية ليست منافية للطبيعة، وهو وإن دفع بهذا أمام القاضي، مستحضراً كل الإثباتات المتوفرة، لا يمكن للقاضي حتى وإن اقتنع بها أن يحكم اعتماداً عليها لأن صلاحياته مقيدة بالرجوع فقط إلى التشريعات النافذة.

ولأن القانون لا يعدّل إلا بقانون جديد أو بدستور جديد على سبيل الحصر، ستصطدم محاولة استحداث فقرة قانونية تستثني المثلية الجنسية من الممارسات الجنسية الخارجة عن الطبيعة، أو محاولة إلغاء المادة التي تجرم الممارسات الجنسية الخارجة عن الطبيعة، بعوائق كثيرة، أهمها العوائق الدستورية، ولأن محاولة الضغط والحديث عن تعديلات دستورية قد ينتج عنها الاتهام بالاعتداء على الدستور، سيتمكن المسؤولون من وأد العملية في مهدها.

 عدا عن ذلك، أقرن الدستور الحالي شرعية القوانين بتوقيع رئيس الجمهورية عليها، فحتى وإن حصل المجتمع المثلي على تمثيل متعاطف معه في مجلس الشعب، واستطاع هؤلاء تجاوز عقبة الثلثين، قد يمنى المجتمع المثلي برئيس جمهورية رهابي يمنع نفاذ ذلك التشريع، كما أنه قد يحل مجلس الشعب الذي يحاول أن يتجاوز أية عقبة تشريعية.

 وحتى إن حصل القانون على موافقة كلا الطرفين، قد تعترض المحكمة الدستورية العليا على دستوريته كونه يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية التي هي المصدر الرئيسي والأساسي للتشريع.

  قد يقترح البعض محاولة الاجتماع ببعض المناصرين والمناصرات لقضايا المثلية، دون أن يتنبه إلى أن القانون السوري قد نص على أنه: “من كان في اجتماع ليس له طابع الاجتماع الخاص سواء من حيث غايته أو غرضه أو عدد المدعوين إليه أو الذين يتألف منهم أو من مكان انعقاده”….”يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة عشرين ألف ليرة”.

وبما أن المادة القانونية هنا معممة أيضاً، وتمنح السلطة التنفيذية الأحقية بتقرير وتقدير طابع الاجتماع، قد يتحول أي اجتماع بين أصدقاء، إلى اجتماع معاقب عليه بالقانون.

 ما يزيد اعوجاج كل شيء في مجتمعنا المثلي، أننا لم نعد نستطيع التقارب، لم تعد مثليتنا تجمعنا، كما لم تعد سوريتنا تجمعنا، لقد سمحنا لخلافات الآخرين، وخلافاتنا في الرأي أن تبعدنا عما هو أهم منها، سمحنا لكل شيء أن ينسينا أن مصيرنا واحد، ويجب أن نعمل على ألا نصل بأنفسنا إلى الهلاك.

 ما نحتاجه في ظل عواصف التغيير التي تجتاح بلدنا أن نعي تماماً أهمية الوصول إلى دستور يكفل الحرية والمساواة لجميع المواطنين، دون أن يقيد تلك الحريات بعبارات مثل “ينظمه القانون”، كي لا نصنع نظاماً شمولياً يفصل الدستور كما يشاء، ويسن قوانين تمكنه من استئثاره بكل القرارات، كما يجب أن نعي أهمية أن يكون الدستور علمانياً حقيقياً، لا يعتبر أية شريعة دينية المصدر الأساسي للتشريع، ولا بأس إن اعتمدها كأحد مصادر التشريع.

 نهايةً، يسمح لك الدستور أن تعبر عن إعجابك برائحة تعرق حبيبك وفقاً لمادة حرية التعبير، لكن إن ارتأى المشرع أن يمنع التغزل برائحة التعرق لأي من الأسباب، عندها قد تجد نفسك بين القضبان لأن الحب وصل بك إلى هذه الحال، فهل ستعتبر أن الحب هو سبب هلاكك؟

 فكر، وقم بثورة على نفسك وعما يبعدك عمن هم مثلك

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: