حكاية إبريق الزيت

في كثير من الأحيان تدور مثل هذه النقاشات مع بعض قرّاء المجلة، أو من سمعوا عن المجلة في مكان ما…

قارئ: مرحبا… وين بتنباع المجلة؟

أنا: المجلة بس عالانترنت.

قارئ: ليش ما بتطبعوها؟

أنا: كيف بدنا نطبعها والمثلية الجنسية جريمة بالقانون السوري؟

قارئ: كيف يعني؟

أنا: يعني إذا قدمنا طلب ترخيص طباعة لمجلتنا منكون عم نقدم دليل إدانتنا بإيدينا.

عندما تكرر مثل هذا النقاش لأكثر من مرة، بدأنا بالتفكير بطرق مختلفة لطباعة المجلة، وكانت العقبة دوماً في التمويل، حيث لا يمكن لأي كان تحمل نفقات طباعة مجلة كاملة بمفرده، وتحول النقاش إلى الشكل التالي…

قارئ: مرحبا… وين بتنباع المجلة؟

أنا: المجلة حالياً غير مطبوعة، بس أكيد حاطين بفكرنا نطبعها.

قارئ: أيمتى يعني؟

أنا: صدقني ما بعرف، الموضوع بدو مصاري، يعني لازمو تمويل.

قارئ: ومن وين ممكن تجيبوا التمويل؟

أنا: في كتير منظمات لدعم حقوق المثلية، ممكن يساعدونا بهالقصة.

قارئ: يعني تمويل خارجي؟

أنا: أي، وشو المشكلة؟

قارئ: مو منيح التمويل الخارجي، ما فيكون تمولوها من جوا البلد؟

أنا: يعني برأيك الحكومة السورية ممكن تمول شغلة هي بالقانون تبعها جريمة؟

قارئ: كيف يعني؟ ما فهمت.

أنا: يعني المثلية الجنسية جريمة بالقانون السوري، بدك الحكومة تموّل مجرمين؟

Broken-Bottle-

“حكاية إبريق الزيت” هي عبارة تحولت مثلاً في اللهجات المحكية في منطقة بلاد الشام، وتستخدم بكثرة في سوريا ولبنان للدلالة على حالة متكررة قد لاتنتهي، كمن يدور في حلقة مفرغة، لا يجد إلى كسرها والخروج منها سبيلاً.

لحكاية إبريق الزيت نسختان في سوريا، وكلاهما تنطبقان على واقع ما نمر به في موالح في هذه المرحلة، أو ما قد نمر به في المرحلة المقبلة، كلاهما يعكسان ما نعانيه بشكل متكرر من خلال تواصلنا مع بعض القرّاء، سواءً كان ذلك بشكل مباشر، عبر البريد الإلكتروني أو المواقع الالكترونية المختلفة، أو بشكل غير مباشر، كما في حالة الاستبيانات التي نطرحها بين الحين والآخر.

تقول الحكاية الأولى: كان لدى عائلة إبريق زيت لا عيب فيه سوى أنه قديم، فقرّروا التخلّص منه واستبداله بآخر جديد، لأنّ جيرانهم فعلوا ذلك بإبريقهم، فما كان منهم إلاّ أن كسروه. إلا أنهم كلّما أتوا بإبريق جديد بعد ذلك، وجدوا أن الزيت يرشح منه، وظلّوا على هذه الحال يأتون بأباريق بلا طائل، نادمين على إبريقهم القديم.

أما الحكاية الثانية: فهي الأكثر شيوعاً، وهي طرفة أو أحجيّة تقوم على مناكفة الأطفال الذين يستعصي عليهم النوم، لحملهم على الاستسلام له، وغدت فيما بعد مثلاً يدلّ على التململ واستهلاك الوقت لتعجيز شخص ما، فنقول إذا ما استطال الحدث وصار مرهقاً ومزعجاً: “صار حكاية إبريق الزيت”. وأساسها أن الجدّات أو الأمّهات كنّ يروين الحكايات للأطفال قبل النوم، إلا أنّ بعضهم لا ينام مع انتهاء الحكاية، فتضطر الأم أو الجدة إلى اللجوء إلى محاولة لإضجار الأطفال الذين لا يغفلون بسرعة لتستنفذ طاقاتهم وقدراتهم على التحمّل حتّى يستسلموا فيناموا، فتقول الأم أو الجدة للأطفال: “ما بدكم أحكيلكم حكاية إبريق الزيت؟” فيقول الأطفال: “أي”، فتقول: “أي أحكيلكم، ولا أي ما أحكيلكم؟ يعني ما بدكم أحكيلكم حكاية إبريق الزيت؟” وعندما يقولون:لا، تقول: “يعني ما أحكيلكم حكاية إبريق الزيت؟ أي أو لأ؟” فإذا قالوا: “احكي”، تقول لهم: “ما قلتولي شو أحكيلكم، ما بدكم أحكيلكم حكاية إبريق الزيت؟” وإذا قالوا: “بدنا ننام”، تقول: “وقبل ما تناموا، ما بدكم أحكيلكم حكاية إبريق الزيت؟” وتظلّ راوية الحكاية تعيد تكرار هذه العبارات حتّى يملّ الأطفال ويستسلموا للنوم.

يصدر هذا العدد مع بداية عام جديد، وكنا قد طرحنا لأجل ذلك أسئلةً تتعلق بأمنيات العام الجديد، كان من بينها سؤال حول أمنيات القرّاء لموالح، وكم أسعدنا أن قراءنا يتمنون أن تتحول مجلة موالح إلى مجلة مطبوعة، مع أمنيات للمجلة بالاستمرار والتقدم، مما دفعنا للبحث والسؤال عن مصادر محتملة للتمويل ونحن على يقين أنّ “متلازمة إبريق الزيت” ستكون لعنتنا في المرحلة المقبلة.

لا يزال البعض يرى في التمويل الخارجي تهمةً بالعمالة، كما كانت خطابات الدول العربية تقترح لرعاياها رغبةً منها في منعهم من محاولة التقدم أو التطوير الذاتي بعيداً عن رعاية الدولة أو مؤسساتها، ونحن وإن كنا لا نتفق مع هذا الرأي إلا أننا نقدّره ونحترمه، كما أننا لا نريد الوقوع في جدلية حتمية شبهة مصدر التمويل، فهناك طرق للتأكد أن التمويل قادم من جهات لا تحمل أجندات معينة قد توقعنا في مشكلات في المستقبل.

ما لا يعلمه الكثيرون أن تمويل الجمعيات أو المشاريع التي تعنى بالميول الجنسية، يأتي عادةً من جهات غير سياسية بالمطلق، حيث لا تزال معظم السياسات الغربية تحاول كبح تقدم الحراك المثليّ على عكس ما يتصوره البعض في البلدان العربية، فالتمويل الذي يصدر لمشاريع تتعلق بحقوق المرأة أو الطفل وحتى حقوق المثليّة الجنسية، يأتي عبر تبرعات ومشاريع تتوجه في أحد هذه الاتجاهات، والتي غالباً ما تصرّ وتؤكد على أهميّة احترام سيادة الدول، وحثّ المواطنين أنفسهم على إحداث التغيير دون أية تدخلات من قبل الجهات الممولة.

إن المشكلة التي ستواجه موالح في اتخاذ القرار بالبحث عن تمويل تكمن في ذهنيّة بعض القرّاء الذين لا يزالون يؤمنون بنظرية المؤامرة، التي ستحوّل أي نقاش أو حوار إلى حكاية أخرى من حكايات إبريق الزيت، فهناك من سيسأل عن جهة التمويل، وهناك من سيقترح البحث عن بدائل، ولكل هؤلاء، ولأجل توديع حكاية إبريق الزيت، والبدء بعمل حقيقيّ مثمر، عوضاً عن احتجاز أنفسنا في حلقة مفرغة، ستصيبنا بدوار، وتغرقنا في بقعة زيت، من أجل كلّ ذلك، سنجيب على كل التساؤلات المطروحة.

يقترح البعض أن موالح يجب أن تبحث عن تمويل حكومي، لكنّ ذلك يطرح ثلاثة إشكالات يتجاهلها من يحبّذ هذا الخيار. يكمن الإشكال الأول في تجريم المثلية الجنسية في القانون السوريّ، حيث تعدّ أية محاولة لطلب الترخيص لجمعية تطالب بحقوق المثليّة الجنسيّة بمثابة اعترافٍ بالميول الجنسيّة “المنافية للطبيعة” بحسب القانون السوريّ، مما قد يستدعي تطبيق القانون في حق مقدم أو مقدمة الطلب بالسجن لمدة خمس سنوات، أما الإشكال الآخر، فهو أنّه في حال قيام الحكومة بتمويل مشروع مماثل، فإن أي انتصار لأصحاب المشروع سيعدّ من منجزات هذه الحكومة، ذات الحكومة التي لم تحرّك ساكناً طيلة خمسين عاماً لأجل إلغاء تجريم المثليّة الجنسيّة في القانون الذي تعتمده، بمعنى آخر، ستستخدم الحكومة هذا المشروع لتحقيق نصرٍ سياسيّ بشكل أو بآخر، عدا عن أن ارتكاسات الوضع الحاليّ الذي تمرّ به سوريا يمثّل إشكالاً جدلياً، يفرض على موالح البحث عن تمويل من مصدر محايد، لا علاقة له بالحكومة الحالية، ولا علاقة له بأي شكل من الأشكال بمعارضيها، ضماناً لاستقلالية المجلة عن الاتجاهات السياسية الحالية.

أما الاقتراح الثاني فكان البحث عن تمويل أهليّ سوريّ، وهو ما سيخلق إشكال الجدل حول التوجه السياسيّ للممولين، عدا عن أنه سيضع أي ممول داخلي في موقع المساءلة القانونية من قبل الحكومة لتمويله أمراً مخالفاً للقانون، كما أن أيّ ممول أهليّ سيفضل تمويل مشاريع إغاثية لأهلنا المتضررين من الأحداث التي تعصف بسوريا، وهذا أمر نتفهمه ونقدّره بل ونفضله أيضاً.

لا يمكن للمجلة أن تتقدم، وتنجز أكثر، إن بقيت على حالها، فقد حققنا الهدف الأول من المجلة، وهو إخراج الصوت المثلي السوري من قمقمه الذي قبع فيه لعقود طويلة بدافع الخوف من العقاب القانوني أو الاضطهاد الاجتماعيّ، وإن أي استمرار للمجلة على حالها، لن يتمكن من الانتقال بها نحو الخطوة التالية، وسيبقيها في مكانها، تدور في فلك حكاية إبريق الزيت، كما أنّ أيّ حديث عن جدوى البحث عن تمويل للمجلة و المجموعة التي نعمل على تأسيسيها، أو عن مصدره، لن يعدو عن كونه محاولةً في إغراق الجميع في النسخة الثانية من حكاية إبريق الزيت، حيث سيظل جوابنا على السؤال “لماذا التمويل؟” هو: “كي نتقدم خطوةً إلى الأمام”.

إن جلّ ما نخشاه إن نحن تقدمنا باتجاه الخطوة التالية، هو أن يغرق بعض أفراد المجتمع المثليّ السوريّ في فخّ النسخة الأولى من حكاية إبريق الزيت، فيعمدون إلى كسر “إبريق” موالح، ويغرقون في البحث عن بديل، سيضطر لاحقاً، عاجلاً أم آجلاً، للبحث عن تمويلٍ ليتقدم، فيؤخرون بذلك تقدماً كان يمكن أن يكون.

حرصاً من موالح على عدم الغرق في بقعة زيت، أو الانزلاق إلى حكاية إبريق الزيت، يهمنا أن نؤكد لقرّائنا أن هدفنا الأهم والأكبر سيظل محاولة مساعدة وحماية المجتمع المثليّ السوريّ من أية أخطار حالية أو محتملة، ولأجل ذلك الهدف، سنحرص أن نبقى بعيدين عن أية شبهة، ولإدارة المجلة خبرةٌ ومعرفةٌ كافية بأساليب البحث عن تمويل مناسب، يهتم فقط بأمن وسلامة وحماية المجتمع المثليّ السوريّ، ورغم أننا لا نعرف بعدُ إن كنا سنجد تمويلاً يتناسب وحالتنا السوريّة، إلا أننا سنظل نحاول البحث عن وسائل لتحقيق أهدافنا، ويبقى السؤال الملقى على عاتقكم قراءنا الأعزاءهو، هل تريدون حقاً لحكاية المجتمع المثليّ السوريّ أن تظل كحكاية إبريق الزيت؟

سامي حموي

SyrianGayGuy@gmail.com

Comments

  1. انا بفضل المجلة تضل عالنت لأن مو ناقصنا حدا يحكي علينا او بالأصح ماحدا رح يفهمنا(بالوقت الحالي) وشو ممكن يصير بعدين الله اعلم

  2. فعلا التشبيه يصح.. إبريق الزيت

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: