بعيداً عن خرافات المجتمع الغيريّ، نعرف جميعاً أن المثلية الجنسية قديمة قدم التاريخ، وبالطبع في بدايات التاريخ لم تكن الواقيات الذكرية ونظريات الجنس الآمن قد ظهرت بعد، بسبب عدم ظهور جميع الأمراض الموجودة حالياً، والمرتبطة بالممارسات الجنسية بشكل أو بآخر.
على الرغم من ذلك، تم تسجيل أول استخدام للواقيات الذكرية كطريقة لتحديد النسل منذ بدايات القرن الخامس عشر، حيث كانت تغطي وقتها رأس القضيب فقط، ثم تم استخدام قطعة من اللينين معالجة بمواد كيميائية من أجل الحماية من وباء الزهري الذي انتشر وقتها حاصداً أرواحاً كثيرة في أوروبا وآسيا، بعد ذلك تم استخدام أمعاء ومثانات الحيوانات في صناعة الواقيات الذكرية، إلا أن الاستخدام الرئيسي لها كان لتحديد النسل، وانطلاقاً من ذلك بدأت صناعة الواقيات الذكرية بشكلها الحالي المعروف اعتباراً من عشرينيات القرن التاسع عشر.
مع انتشار مرض الإيدز وفيروس نقص المناعة المكتسبة في ثمانينيات القرن الفائت، راج استخدام الواقيات الذكرية كوسيلة للحماية من الأمراض والالتهابات المنتقلة جنسياً، وتم إطلاق حملات توعية حول أهمية الجنس الآمن وأهمية استعمال الواقيات الذكرية في العملية الجنسية، إلى أن بدأ لاحقاً استخدام كلمة bareback في اللغة الانكليزية للتعبير عن الممارسات الجنسية بدون واقيات ذكرية، أو الممارسات الجنسية غير الآمنة.
بدأت كلمة bareback بالبروز لوصف عملية الجنس بين شخصين يحملان فيروس نقص المناعة المكتسبة و/أو مرض الإيدز، سواءً كان ذلك بين المثليين أو الغيريين، لكن الكلمة أصبحت توحي بالممارسات المثلية بسبب تركيز الإعلام وحملات التوعية ضد الأمراض المنتقلة على الممارسات الجنسية بين المثليين الذكور، على الرغم من وجود مواقع متعددة تعنى بتقديم خدمات جنسية للغيريين، كمبادلة الشركاء أو الزوجات والأزواج وغيرها، وتشترط أن يكون لدى زبائنها ما يثبت خلوهم من الأمراض المنتقلة جنسياً، وتصرح عن ذلك في حملاتها الترويجية.
تطرقت المجلات والصحف المثلية الغربية لموضوع الجنس غير الآمن باعتباره أمراً ينتشر بكثرة في المجتمع المثلي، وعرض موقع The Body لاثنين وعشرين سبباً لممارسة الجنس غير الآمن بين المثليين الذي قام باستطلاع آرائهم حول الموضوع، كان أهمها الاعتقاد الخاطئ بإمكان التحكم بمرض الإيدز، وأن بعض المثليين لم يعودوا يخشون الإصابة بهذا المرض.
كثير من الأجانب الذين زاروا سوريا في السابق كانوا يطلبون ممن يمارسون الجنس معهم عدم استخدام واقيات ذكرية، وعند سؤال أحدهم عن سبب توقعه أن طلبه سيلقى قبولاً في الأوساط المثلية في الشرق الأوسط، أجاب بأن المثليين في المنطقة لا يتم استهدافهم بحملات توعية حول الجنس الآمن مما يجعلهم أكثر تقبلاً لممارسة الجنس دون واقٍ ذكري، وكانت معظم الإجابات مشابهة من حيث التنميط والأحكام المسبقة التي تتسم ببعض العنصرية.
لا تخلو ذاكرة أيّ منا من لحظات ذعر من ممارسة جنسية خاطئة، (س) هي فتاة غيرية مارست الجنس غير الآمن ذات مرة في إحدى رحلاتها إلى خارج سوريا، وأصيبت بذعر شديد وخوف بعد عودتها من تلك الممارسة مما دفعها إلى البحث عن مختبر تجري فيه فحص الإيدز في مدينة أخرى غير مدينتها، لكنها في ذات الوقت لا تزال تمارس الجنس غير الآمن مع شركائها من السوريين، متذرعة بأن “احتمال إصابة الأجانب بالأمراض المنتقلة جنسياً هو أكبر”، الأمر الذي يكرره الكثيرون من المثليين السوريين، مما يجعلهم يقعون في فخ التنميط والأحكام المسبقة أيضاً.
تتعدد أسباب ممارسة الجنس غير الآمن بين المثليين السوريين، فإذا ألقينا نظرة على مواقع التعارف الالكتروني التي تضع من بين خصائص ملف التعريف معلومات عن الجنس الآمن وممارساته، نجد القليل من الأشخاص يجيبون على هذا السؤال، ونجد تنوعاً في الإجابات القليلة الموجودة بين “أحياناً، دائماً، ذلك أمرٌ يحتاج للنقاش”، وعند سؤال بعض منهم عن سبب عدم ممارستهم للجنس الآمن، أجاب البعض بأنهم قد مارسوا الجنس أحياناً بدون واقٍ ذكري تحت تأثير الكحول، فيما أجاب كثيرون آخرون بأن الحاجة للجنس الآمن تتوقف على طبيعة الشريك، كما أنها تحتاج لظروف معينة، قد لا تتوفر في كل مكان وعند أي وقت، كالحمامات مثلاً، كما أجاب آخرون بأنهم يخجلون من طلب الواقيات الذكرية في الصيدليات أو الأماكن الأخرى التي تبيعها، عدا عن أن البعض أجاب بأنه يجب أن يمارس الجنس بدون واقٍ ذكريّ ليشعر باللذة.
بعضٌ ممن قالوا أن شعورهم باللذة لا يتم إلا من خلال ممارسة الجنس بدون واقٍ ذكري، برّروا ذلك بأن الإحساس بالسائل المنوي هو أمر حتميّ لشعورهم باللذة، فيما قال البعض الآخر أن الواقي الذكري يقلل من شدة المتعة والشعور باللذة التي يشعرون بها، مضيفين بأن الممارسة الجنسية دون واق ذكري هي الأمر الطبيعي الذي جرت عليه العادة لقرون، ولن يستبدلوه بشعور أقل بسبب مادة صناعية.
أكثر الأماكن التي يمارس فيها المثليون الجنس غير الآمن في سوريا هي الحمامات التي نطلق عليها Gay Hammam والتي يمكن للمثليين ممارسة الجنس فيها مع غرباء يلتقون بهم لأول مرة، فكما يقول صالح، “عندما كنت أراقب ما يجري حولي، لم أرَ أي شخص يحمل واقياً ذكرياً، كما أنني سهوت عن شراء واقيات ذكرية في عدة مناسبات زرت فيها الحمامات”، بينما يصر حازم على أنه يستطيع أن يستشف إن كان الشخص الذي سيمارس الجنس معه من “الأشخاص المحتمل إصابتهم بأمراض منتقلة جنسية” من خلال طريقة حديثه وبعض الملاحظات الأخرى، لأنه، أي حازم، “يمتلك قدرة على تحليل شخصيات من حوله”.
يعتبر مجتمع الرجال الأكبر سناً ومحبيهم في سوريا، منن يتبعون ضمناً لثقافة الـ Bears، هو الأكثر ممارسة للجنس غير الآمن، فكثير من الرجال الأكبر سناً أجابوا بأنهم لم يعتادوا ممارسة الجنس باستخدام واقٍ ذكري من قبل، كما أن الكثير منهم أكد أنه لم يصب بمرض منتقل جنسياً سابقاً، فيما أجاب الشبان الذين يعجبون بالرجال الأكبر سناً في سوريا بأنهم يثقون بشركائهم وأنهم لن يعرضوهم للخطر، مع أن معظمهم ليس على علاقة طويلة الأمد بأحد، كما أنهم يمارسون الجنس بشكل عشوائي مع غرباء.
يحرص الكثير من ثنائيي الجنس المتزوجين في سوريا على اشتراط الجنس الآمن قبل ممارسة الجنس خوفاً على زوجاتهم وعلى أنفسهم من فضيحة مجتمعية، إلا أن هناك خطراً يأتي من بعض ثنائيي الجنس الذين يعتادون الذهاب للحفلات الجنسية التي يغلب فيها طابع تعاطي الخمور والمخدرات وتبادل الشركاء أو الزوجات مع الأشخاص الآخرين في نفس الحفلة، الأمر المعروف في الانكليزية باسم swinging. أسعد (45 عاماً) هو رجل ثنائي الجنس من حلب، كان ممن حضر إحدى هذه الحفلات يوماً برفقة زوجته، وعنها يقول، “أثارتني فكرة الجنس الجماعي وتبادل الزوجات، كما أنني اعتقدت أنني قد أستطيع ممارسة الجنس مع سيدات ورجال في ذلك المكان، وكان ذلك ما حدث، إلا أنني شعرت بالذعر في اليوم التالي، لأن عملي كطبيب يجعلني أعرف حجم الأخطاء التي ارتكبتها في تلك الليلة، حيث كان من الممكن أن أصاب وزوجتي بأمراض كثيرة بسبب ما حصل”، متابعاً أن معظم من حضروا الحفل كانوا من الغيريين، مؤكداً أن تبادل الشركاء “swinging” منتشر إلى حد ما في سوريا.
بعد استعراض كل ذلك، يجب أن نشدد على المخاطر الكبيرة المتعلقة بالجنس غير الآمن، حيث لا يمكن لأحد أياً كان أن يعرف بشكل جازم ما يدور في خفايا الحياة الجنسية للآخرين، خاصةً في ظل اتباع جميع السوريين لقاعدة “إن ابتليتم بالمعاصي فاستتروا”، والتي تجعل الكثيرين منهم لا يرغبون بإطلاع الآخرين على تفاصيل خيالاتهم الجنسية وما يفعلونه خلف الأبواب التي يحكمون إغلاقها، فالجنس غير الآمن هو السبب الرئيسي والمباشر للإصابة بالأمراض المنتقلة جنسياً، التي مررنا على عدد كبير منها خلال الأعداد السابقة، والتي رغم إمكان معالجة بعض منها، يبقى بعضها غير قابل للعلاج.
قد يصرّ البعض أن ممارسة الجنس بدون واقيات ذكرية هي طريقهم الأوحد للحصول على المتعة الطبيعية المرتجاة من العملية الجنسية، لكن ذلك يجب أن يتم بشروط أهمها هو الدخول في علاقة طويلة الأمد، يشترط فيها الإخلاص الجنسي وأحادية الشريك، وحتى إن توفرت تلك العلاقة، لا يمكن ممارسة الجنس بدون واقٍ ذكري قبل التأكد من خلو الشريكين من الأمراض، كما ينصح بممارسة الجنس الآمن لفترة معينة حتى يثبت للشريكين إمكان استمرار العلاقة الأحادية الشريك بينهما، كما ينصح بإجراء عمليات التنظيف الشرجي التي عرضنا لها في العدد الأول من موالح، والتي سنعيد نشرها في عدد لاحق.
سامي حموي
SyrianGayGuy@Gmail.com
اترك تعليقًا