أقدم معلومات عن الحضارة في حمص يعود إلى عام 2300 قبل الميلاد، أما اسمها فيعود للتسمية اليونانية «إيميسا» المقتبس من اسم إله الشمس إيم الذي كان يعبد في المدينة، لكنّ البعض يرد الاسم إلى قبيلة إيمساني التي حكمت المدينة وتمكنت من نيل حكم ذاتي بعيد عن سيطرة الإمبراطورية الرومانية في ذلك الوقت، وتجدر الإشارة إلى أن امبراطورة روما في القرن الثاني للميلاد جوليا دومنا هي حمصية الأصل، كما أنها والدة الامبراطور الروماني كاراكلا.
في المدينة العديد من الآثار التي تعتبر أهمها كنيسة أم الزنار، تلك الكنيسة التي تعود إلى القرن الأول الميلادي تحطمت أجزاء كبيرة منها جراء القصف والاشتباكات التي تعصف بالمدينة.
كان للمثليين أماكن محدودة في حمص، منها حمام وحديقة للتجوال، عدا عن بعض الأسواق المحلية التي يرتادونها بالإضافة إلى مقهى خاص بهم، لكنّ المجتمع المثليّ في حمص لم يتمكن من تشكيل حضور كاف مقارنة بمثيله في دمشق.
حمص يا مدينتي
لم أتوقع كشخص دمشقي عاش طوال حياته في دمشق، أن أبدأ مشوار حياتي المثلية في محافظة أخرى، وأن تلك المحافظة قد تعني لي أكثر مما تعنيه دمشق التي قضيت فيها معظم حياتي.
حمص، قد أعتبرها موطني الآخر. لم أقطن فيها سوى سنة واحدة، لكنها كانت سنة غيرت مجرى حياتي. كنت قد انتقلت لأسكن وحدي في تلك المحافظة للدراسة، فمعدل علاماتي لم يسمح لي بالذهاب لجامعة دمشق، وقررت أن أخوض تجربتي في محافظة أخرى. كانت حمص أقرب المحافظات لدمشق، فقررت الالتحاق بجامعتها.
التجربة كانت فريدة من نوعها لكثير من الأسباب، كانت المرة الأولى التي أستقلّ فيها عن عائلتي وأتحمل هذا القدر من المسؤوليات. لم أكن طفلاً مدللاً، لكن التجربة كانت تضفي على عاتقي مسؤوليات لم أكن قد تعاملت معها من قبل، وكان أكبر تحدٍ لي هو اكتشاف شخصيتي المثلية وعيش تجاربي الشخصية، فلم يكن لي تجارب مثلية مع أحد سابقاً.
لم أكن شخصاً اجتماعياً فواجهت بعض الصعوبات حتى تمكنت من تكوين بعض الصداقات، وكنت خائفاً معظم الوقت من التفكير بأن عليَّ أن أحل لغز إعجابي بالشبان، وأن استكشف ذاتي الداخلية وأتعرف على نفسي جيداً.
حمص مدينة صغيرة، جوّها اللطيف وأهلها اللطفاء كان المكان المناسب لعواطفي لتنمو وتنضج. كنت أخرج كثيراً لأتجول وحيداً في طرقاتها، أراقب الشوارع، وضحكات المساء، والأيادي التي تعانق بعضها، لأعود للنوم وحيداً في سريري البارد. أحتضن وسادتي وأفكر فيما لو أستطيع أن أجد من يشاركني لحظاتي ويمسح لي دموعي ويدفئ سريري. لقد عزمت تلك الليلة على أن أكسر ذاك الخوف داخلي وأبحث عن نفسي.
لم تمض فترة طويلة حتى تعرفت على أحد الشبان، لم أعرف ما الذي جذبني إليه عندما قابلته، لا أذكر أنه كان بهذا الجمال، بل أعتقد أن مردّ ذلك لكونه أول شخص مثلي أتعرف عليه. لم يمضِ وقت طويل حتى أصبح في منزلي، وقمت بأول تجربة جنسية حينها. كانت خالية من أية مشاعر ولكن كان عليَّ تجربتها عاجلاً أم آجلاً. وعندما انتهينا، حاولت أن أتقرب منه وبدأت بسؤاله عن نفسه وماضيه، لكنه كان منغلقاً على نفسه، وقد أدركت لاحقاً أنه كان يريد الجنس لا أكثر.
يلملم ثيابه وحاجاته في لحظات صمت قاتلة. يرتدي ملابسه ويخرج قائلاً “أراك قريباً” مع غمزة. أغلقت الباب وراءه وشعرت بذنب كبير قد اقترفته. وبدأت بالبكاء والصلاة علَّ الرب يغفر لي، فقد كنت متديناً في ذلك الوقت. ولكن كان يجب عليّ أن أفعل ما قمت به. لم يدم شعور الندم كثيراً فقد عاد لي الشعور بالنقص بشيء في حياتي. لم أكن أريد علاقة جنسية عابرة أو حتى مستمرة. أردت من يحبني ويقف إلى جانبي ويقاتل العالم معي.
تابعت مسيرة البحث في حمص، لكن دون جدوى. جميع القصص متشابهة، وجميعهم يريدون التسلية كآلات شرهة للجنس، وإن كان بعضهم يحتمي بغطاء من الطيبة. بعد بضع تجارب فاشلة على الانترنت، قررت إرجاء الأمر إلى حين عودتي إلى دمشق. علّني أجد في تلك المدينة الكبيرة من يفهمني ويقدر مشاعري.
غادرت حمص بعد السنة الأولى، لأعود إلى دمشق وألتقي بارتباطي الأول. لم أتأقلم على العيش في دمشق كثيراً. كانت روحي لا تزال متعلقة بحمص التي أعتبرها مدينتي. وكنت قد عزمت على العودة إليها والسكن فيها بعد التخرج، وعلى الرغم من أنني وجدت ما كنت أبحث عنه في دمشق، ما زالت حمص تحتل القسم الأكبر من محبتي.
لم تكن تلك آخر مرة أرى فيها حبيبتي حمص، فقد سافرت إليها عدة مرات مع ارتباطي الأول، عدت لأجمع ذكرياتي وألتقي بأصدقائي هناك، برغم الظروف الصعبة التي كانت تمر بها المدينة في ذلك الوقت، ولا زالت تمر بها حتى الآن. حمص مدينة الحب والسلام، مدينة الغني والفقير، حمص يا مدينتي.
نوار جيرون
Jairoun.Nawar@gmail.com
اترك تعليقًا