لسنا أرخص

في بحث دائم عن اتصال بالانترنت، هو دوماً مطأطئ الرأس، يكتب على موبايله، مبتسماً أحياناً، وعابساً في أحيان أخرى، وفي أحيانٍ كثيرة، يهرع إلى خارج الغرفة ليحظى بقليل من الخصوصية، ويعود باسماً فرحاً.

هذه هي حال (س) البالغ من العمر خمسة وثلاثين عاماً، قضى معظمها وهو يتمتع بوضع مادي جيد من وظيفة ممتازة الدخل في سوريا، قبل أن تدفعه الحرب إلى مغادرة البلاد هرباً من تهديد بالقتل لما قام به من نشاطات وجهود إنسانية لم ترق للكثيرين، وبعد وصوله إلى تركيا، لم يجد أمامه وسيلة للحياة، سوى بيع جسده وامتهان مضاجعة الغرباء لأجل قليل من المال.

ليس (س) هو الوحيد الذي يمتهن هذا العمل بين السوريين في تركيا التي تعد التجارة بالجنس فيها عملاً مرخصاً وقانونياً، لكن الترخيص لا يشمل المثليين.

هناك الكثيرات من مصححات الجنس “transgender” ممن تعملن في هذه المهنة، من بينهن (م) التي غادرت سوريا عام 2008 للخضوع لعمليات تصحيح الجنس، ولطلب اللجوء إلى دولة غربية، وقد تحقق لها ما أرادت قبل عدة أسابيع حيث أنها الآن في القارة الأمريكية الشمالية، تحاول أن تجد طريقاً لحياتها بعيداً عما يتعرض له الكثيرون والكثيرات من مصححي ومصححات الجنس من اضطهاد وتمييز، حتى من قبل المجتمع المثلي، كما قالت (م).

BOTD-091310-005في اسطنبول، القبلة السياحية الأميز في القارة الأوروبية حالياً، يوجد عدد لا بأس به من مثليي الجنس السوريين، معظمهم يبحث بلا طائل عن عمل، وقليل منهم بدأوا العمل في التجارة الجنسية أو ما يعرف حالياً باسم “sex working”.

في أحد مقاهي اسطنبول التي يتردد عليها المثليون، تجد لفيفاً من مثليي الجنس من مختلف دول المنطقة، سوريون ولبنانيون وأتراك، يشكلون شبكة للتعارف، وتسهيل العمل في التجارة الجنسية أحياناً.

ميغيل (56 عاماً) هو أسباني يتردد بشكل دائم على اسطنبول، يقول أن معظم المثليين الشباب الذين التقى بهم طلبوا مقابلاً مادياً لممارسة الجنس معه، فيما يقول صديقه خوان (49 عاماً) أنه كان على علاقة مع شاب تركي لمدة سبع سنوات، لكنه قام بقطع تلك العلاقة بعد أن اكتشف أن صديقه السابق هو “escort” محترف، ولديه حساب على تويتر يقوم بالترويج لخدماته من خلاله، “كانت صدمة كبيرة، وكان يمتهن تلك المهنة فيما كنت أرسل له المال وأحاول أن أحصل له على إقامة معي في أسبانيا كي نتمكن من الزواج”.

محمد (40 عاماً) أحد المثليين الأتراك الذين نشطوا لفترة في حقوق المثلية يعلل انتشار ظاهرة العمل في التجارة الجنسية في تركيا بأن الكثير من المثليين الأتراك يغادرون مدنهم وقراهم المحافظة ويتجهون إلى اسطنبول بحثاً عن حرية أكبر، “لكن كثيراً منهم لا ينجحون في إيجاد وظائف ثابتة وضمانات لحياة مستقرة مما يدفع البعض للعمل في التجارة الجنسية بشكل أو بآخر”، يقول محمد “لا ألومهم، لأن الحكومة التركية تعمل جاهدة لقمع الحرية القليلة التي نتمتع بها كمثليين في المدن الكبرى، ولا تحاول إيجاد أية قوانين لحماية المثليين من الاضطهاد في أماكن العمل”، فيما يقول مراد (39 عاماً) الذي يعمل كمدافع عن حقوق المثلية، أن ثقافة الدفع مقابل الحصول على خدمات جنسية هو ظاهرة فرضتها الهيمنة الذكورية في المجتمع التركي، تلك الهيمنة التي تفرض على البعض عدم الإفصاح عن ميولهم الجنسية من أجل الحفاظ على نمط حياة معين قد يخسرونه في حال أعلنوا عن توجههم الجنسي، “تجد أن غالبية “الزبائن” حالياً هم من المتزوجين الذين يبحثون عن متعة جنسية لحظية”.

(س) يؤكد هذه النظرية، حيث أن غالبية “زبائنه” هم من المتزوجين، فيما يقول مصطفى (55 عاماً) أنه متزوج ولا يستطيع الإفصاح عن ميوله الجنسية بسبب وضعه الاجتماعي، ولذلك يقوم بالبحث عن متعة عابرة ويدفع مقابلاً مادياً لذلك.

يضطر السوريون في تركيا، المثليون والغيريون، للعمل ضمن شروط صعبة، حيث يقبلون بأجور أقل من التي يتقاضاها نظراؤهم الأترك.

الحاج حسين يملك محلاً تجارياً في أحد المدن التركية ويقول أنه يدفع للعامل السوري أجراً شهرياً أقل من أجر العامل التركي، عدا عن أنه لا يلتزم باستصدار أوراق التأمنيات الصحية والاجتماعية للعامل السوري مما يعني أنه يوفر مبلغاً جيداً شهرياً عبر توظيف سوريين.

ضمن هذه الشروط الصعبة، يجد المثليون السوريون أنفسهم يصارعون من أجل الحياة في اسطنبول، أغلى المدن التركية وأكثرها حرية وأماناً لهم، كما يجدون أنفسهم وسط ثقافة تدفعهم أحياناً نحو العمل في التجارة الجنسية.

بعض المثليين الأتراك يحاولون مساعدة أصدقاء لهم من السوريين على التغلب على مصاعب الحياة في اسطنبول. (ج) هو مثلي تركي يستضيف سورياً مثلياً من أصدقائه في منزله، ويعتبر أن ذلك هو واجبه تجاه صديقه الحلبي (ع) الذي فرّ من حلب قبل عام ونصف إلى تركيا.

تلقى (ع) عرضاً مغرياً من أحد الأتراك للسفر إلى مدينة بورصة والعيش فيها، “هو شخص غني، عرض علي عملاً براتب ممتاز، لكنني اكتشفت أنه عرض علي العمل لأنه يرغب بإقامة علاقة جنسية معي، فلم أستطع تقبل الأمر”، ورأي (ج) أن صديقه أخطأ برفض ذلك العرض، “تجد هنا في تركيا رجالاً كثيرين ممن قد يقعون في الغرام ويستعدون لعمل أي شيء لمن يحبون، وكان على (ع) استغلال ذلك”، لكن (ع) لم يستغل ذلك، ولا يزال يعاني حتى الآن من وضع مادي سيء والتعيش من أجر زهيد مقابل عمل مرهق لا يناسب عمره الذي تجاوز السابعة والأربعين، ويقول دائماً أنه يرفض أن يصدق أن هناك أشخاصاً قد يتمكنون من جني ما يكفي من المال مقابل العمل في التجارة الجنسية، “لا أستطيع أن أصدق ذلك، حتى بعد أن حصل معي، لأنني في النهاية وإن قبلت، قد يحرمني ذلك الرجل من تلك الحياة في أية لحظة.”

ياني (42 عاماً) هو يوناني يعمل كباحث ومؤرخ في إحدى الجامعات التركية، وكان قد التقى عديداً من السوريين والأتراك الذين طلبوا منه أجراً مادياً مقابل ممارسة الجنس، الأمر الذي يرفضه لأن “الدفع من أجل الجنس يعني انتفاء المتعة”، لكنه مع ذلك يتلقى العديد من الرسائل من بعض الأشخاص الذين يعرضون عليه خدماتهم الجنسية. “أحد أغرب الأشخاص الذين التقيت بهم هو يوسف، وهو تركي يبلغ من العمر سبعة وعشرين عاماً، أرسل لي عدة رسائل طالباً لقائي، وسعدت بذلك كثيراً لأنه شاب وسيم، لكنه أصر على أن يحصل على أي شيء مني مقابل الجنس، مما أحبطني كثيراً”.

يؤكد يوسف ذلك قائلاً “لا أستطيع ممارسة الجنس دون الحصول على أي مقابل، إن أعجبني الشخص قد أكتفي بغطاء لجهاز الموبايل أو قميص عادي أو مبلغ تافه، لكنني يجب أن أحصل على مقابل فهو عملي الذي أعيش منه”.

الأمر الأغرب الذي كشف عنه يوسف هو نظرة المثليين العاملين في التجارة الجنسية من الأتراك للسورين الذي يعملون في نفس المهنة، “منذ أن بدأ [المثليون] السوريون بالعمل هنا، أصبح السوق راكداً بالنسبة لي ولأصدقائي، فالكثيرون منهم يتقاضون مبالغ أقل من المبالغ التي نتقاضاهها، هم أرخص منا”.

لكن لمصطفى رأياً مخالفاً، “ليس السبب الوحيد هو أن السوريين يتقاضون أجوراً أقل، فأنا مستعد لأن أدفع مبلغاً أكبر لأي شخص قد أشعر أنه لن يبتزني لاحقاً، والسوريون لن يقوموا بابتزاز شخص تركي خوفاً من تبعات ذلك عليهم”.

يضحك (س) من رأي يوسف، ويقول أن رأي مصطفى هو الصحيح، قبل أن يقفز من كرسيه مهرولاً إلى الغرفة الأخرى وهو يقول “لازم علّقو لهالزبون”.

أضف تعليق