سلمية

يعود تاريخ سلمية إلى عام 3500 قبل الميلاد، وقد تعرضت منذ ذلك للتدمير من قبل الغزاة المختلفين، وكان آخر دمار حلّ بها في عام 637 للميلاد خلال غزو الفرس لبلاد الشام، حيث كانت قبل ذلك من المراكز المسيحية في سوريا.

تمت إعادة بناء المدينة مرة أخرى في عهد العباسيين عام 754 للميلاد، تحولت بعدها إلى مركز للحركات الفلسفية الإسلامية، لتنشأ منها الطائفة الإسماعيلية في القرن التاسع الميلادي.

يختلف الكثيرون حول اسم سلمية، فمنهم من يعزوها إلى معركة «سلاميس» التي انتصر فيها الرومان على الفرس، ومنهم من يعزوها إلى «سيل مياه» أو «سيل ميّة» نسبة إلى غزارة المياه فيها، بينما أرجع ياقوت الحموي تسميتها إلى «سلم مائة»، نسبة إلى المائة الناجين من عذاب المؤتفكة.

لا يتواجد في سلمية أي طبيعة للحياة المثلية، بسبب رهاب المثلية الكبير في المدينة، مما يضع المثليين فيها تحت نير الأحاديث المجتمعية التي قد تحول أيامهم في المدينة إلى جحيم.

مواساة

سلمية - قلعة شميميس

رغم أن سلمية هي مدينتي، فأنا لا أعرفها حق المعرفة كما يجدر بالإنسان أن يعرف مدينته، فقد اغترب عنها أهلي لأمضي طفولتي بعيداً عنها، وعندما كبرت، سكنت مدناً سورية مختلفة، لتتحول سلمية إلى محطة لزيارة الأقارب والأهل، دون أن أمضي فيها وقتاً كافياً لأتعرف على أبنائها، أهل مدينتي.

أذكر أنني كنت كلما قلت لأحد أنني من سلمية، تبادر إلى أذهانهم أنني من الطائفة الاسماعيلية، ولم يكن هذا ليزعجني لولا سؤال بعضهم عن الطائفة ومنشئها، وهو أمر لم أكن أعيره بالاً، فأنا منذ بدأت أقرأ عن الدين بتعمق أكبر، ازداد رفضي له ولقيوده وللفوارق التي يختلقها بين البشر، إلا أنني بسبب تزايد تلك الأسئلة، بدأت أحاول التعرف على طبيعة الطائفة الأكبر في مدينتي، وهو أمر لم يكن يحتاج مني سفراً كثيراً إليها، وبدأت وقتها أعشق سلمية أكثر، لأنها كانت مدينة متعددة الطوائف، يميز أبناءها ولعهم بالعلم والثقافة.

لم أكن أملك الوقت الكافي في زياراتي المحدودة إليها لأبحث عن طبيعة الحياة المثلية فيها، ولم أكن أستطيع أن أستكشف ما يفعله مثليوها الذين لا يستطيعون مغادرتها بحثاً عن حرية أكبر، لكنني لحظت اختلافاً آخر يميّز سلميّة عن مدن الشمال التي كنت أسكنها وأزورها بكثرة، حيث كان رهاب المثلية بين السكان سمة بارزة فيها، دون تفريق بين «موجب» و»سالب»، على عكس مدنٍ كثيرة في شمال سوريا، كالباب وإدلب وحلب، بل وعلى عكس مدينة حماة التي تتبع المدينة إليها إدارياً.

كان ذلك أمراً كافياً لأبتعد عن محاولة معرفة ما يعانيه المثليون فيها، بل وأبتعد عن المدينة أكثر، فقد كنت دوماً رافضاً لرهاب المثلية، ولم أكن أستطيع قبول معاناة مثلية تنبع من مدينتي دون أن أحرك ساكناً، فارتأيت اعتزالها، إلى أن أجبرت على زيارتها بتواتر أكبر بسبب ظروف عائلية و«إدارية».

في عامٍ من الأعوام، كانت إحدى قريباتنا مريضة مرضاً كنا نعرف جميعاً أنها ستموت بسببه، فازدادت زياراتنا إلى سلمية، رغم أنّ أهلي كانوا لا يزالون يعيشون خارج سوريا وقتها، وكان ذلك أول عام أمضي فيه وقتاً كبيراً في سلمية، فكنت كلما حاصرني الضجر، أزور حمص أو حماة القريبتين، وأحاول التعرف إلى أشخاص مثليين فيهما.

في يوم من الأيام، كنت في حديقة أم الحسن في حماة ولمحت هناك رجلاً جميل الوجه، أردت التعرف إليه لكنني كنت قد تأخرت على المنزل، فآثرت العودة لأجد الجميع في سلمية في حالة من الحزن والألم لإيقانهم أنّ نهاية قريبتنا قد اقتربت كثيراً، وكانوا على حقّ فقد توفيت في تلك الليلة.

تقتضي العادات في سلمية أن تُرفع خيمة للعزاء، يُقرأ فيها القرآن ويزورها المعزّون من الرجال، وفي اليوم الأول للعزاء، وبعد أن انتهينا من نصب الخيمة، وتجهيزها بالكراسي والصوبيا وأجهزة الصوت التي ستحمل صوت قارئ القرآن، فوجئت بذلك الرجل الذي رأيته قبل يوم في حماة، وفوجئت أكثر عندما عرفت أنه سيكون قارئ القرآن وأن صوته كان جميلاً كوجهه.

مرت أيام العزاء الثلاثة متثاقلة، كان لنظراتنا المتبادلة خلالها أن تفتضحنا، لولا انشغال المعزين بالزائرين من مدن أخرى لتقديم واجب العزاء. كنا نتبادل أحاديث تافهة، لنتمكن من إرسال رسائل عبر نظراتنا أن اجتماعنا معاً أصبح محتماً وواجباً.

بعد انقضاء أيام العزاء، وأثناء انشغال الجميع بفض الخيمة وترتيب المكان، حملني على دراجته النارية إلى منزله الذي عرفت فيه التجربة المثلية الوحيدة لي في سلمية، كما عرف كلانا أن تلك اللحظة كانت تستحق من كلينا كل ذلك الانتظار والتوتر.

موالح | سامي حموي
syriangayguy@gmail.com

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: