لا يمكن للحراك المثلي أن ينجز أي أمر دون المرور بوسائل قانونية ونداءات سياسية، لذلك، كان لا بد لموالح أن تطرح موضوع الدستور وآليات تعديل وتغيير القوانين، لنتمكن من الوصول بقرّائنا إلى درجة من الوعي المطلوب حول معوقات الوصول إلى يوم تتحول فيه المثلية الجنسية والتحول الجنسي في نظر القانون من جريمة إلى ما هي عليه في الحقيقة، طبيعة خلقنا عليها.
توجهت موالح بأسئلة حول الدستور إلى محمد يوسف، الذي شاركنا في هذا العدد بتعريفات قانونية وشرح لآلية التشريع وعمل القوانين، مع توضيح النقاط الخلافية حول الدستور والقانون السوري.
الدستور وما يعنيه في الدولة
الدستور لغوياً كلمة فارسية الاصل وقد اعتمدت اللغة العربية هذه الكلمة وتعني كلمة دستور “Constitution” الفرنسية لغوياً التأسيس أو التكوين أو النظام.
ويعرف الدستور في سوريا بأنه التشريع الأسمى، لأن النظام القانوني في الدولة يقوم بكامله عليه، فهو المصدر القانوني لجميع السلطات والاختصاصات، وهو الذي يبين نظام الحكم في الدولة، وتشكيل السلطات العامة، وتوزيع الاختصاصات بينها وكيفية ممارستها كما يبين حقوق الافراد والوسائل اللازمة لضمانها وصيانتها.
يجمع الفقه الدستوري على الإقرار بمبدأ سمو الدستور وعلو أحكامه على كافة القواعد القانونية النافذة في الدولة، سواء كان الدستور مدوناً أم عرفياً، ففي الدستور السوري وعلى الرغم من عدم وجود نص صريح على سمو الدستور، إلا انه يعتبر أمراً مقرراً ومسلماً به، لذلك يعتبر الدستور بوصلة لأي دولة، يعتمد عليه في ضبط سياسات الدولة الداخلية والخارجية.
المصادر التشريعية:
يفرق الفقهاء بين معنيين لكلمة مصدر، فهناك المصدر المادي للقانون والمصدر الرسمي له.
المصدر المادي هو مجموعة العناصر والعوامل التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية التي تساهم في تكوين مضمون القاعدة القانونية أي التي تعطي حكماً معيناً وبصورة معينة لغرض معين.
أما المصدر الرسمي يقصد به الأصل الذي تستمد منه القاعدة القانونية قوتها الإلزامية.
وفي مختلف دول العالم على اختلاف حضارتها يعتمد على المصادر الرسمية دون المادية منها وهذا حال القانون السوري.
أما مصادر القانون بشكل عام يمكن أن نستخلصها من المادة الأولى من القانون المدني السوري التي نصت على التالي:
1- تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو فحواها
2- فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد، فبمقتضى العرف، وإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة.
فمصادر القانون ثلاث: المصدر الرسمي الأصلي التشريع، المصادر الرسمية الاحتياطية، والمصادر التفسيرية التي يلجأ اليها أحياناً.
التشريع: يحتل المرتبة الأولى بين مصادر القانون الرسمية فالتشريع بالمعنى المقصود هنا هو مجموعة القواعد القانونية الصادرة في وثيقة رسمية مكتوبة عن سلطة عامة مختصة وفقاً لإجراءات معينة.
اما المصادر الرسمية الاحتياطية فهي كالتالي:
1- مبادئ الشريعة الإسلامية: لا يقصد به الدين الاسلامي كله وإنما المعاملات فيه، إذ منذ العصر الاسلامي الأول عمل الفقهاء على الفصل بين العبادات والمعاملات، أو بين ما أسموه حق الله وحق العباد، وشملت المعاملات في الشريعة الإسلامية نواح قانونية كثيرة، منها ما يتعلق بالقانون الجنائي، ومنها ما يتعلق بالقانون الدستوري ونظم الحكم، ومنها ما يتعلق بالقانون الدولي العام وأحكام الحرب والسلم، ومنها ما يتعلق بالمواد القانونية.
2- العرف: مجموعة القواعد التي تنشأ عن اعتياد الناس على اتباع سنة معينة في مسألة محددة فترة من الزمن مع شعورهم بإلزامها قانوناً.
3- مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة: مجموعة المبادئ العامة الجوهرية التي يقوم على أساسها النظام القانوني كله، وتستنبط منها الحلول العادلة التي يمكن وضعها للحالات الخاصة وهذه المبادئ يكشف عنها ضمير الانسان وعقله وهي تكون في مجموعها المثل العليا التي يجب على القانون الوضعي ان يجتذبها ويقترب منها حتى يحقق له الكمال وبعبارة اخرى القانون الطبيعي هو فكرة تلهم الانسان وتوجهه في مجهوداته المتواصلة لتحسين النظام الاجتماعي وهو مثل اعلى يسعى المشرع والقاضي والفقيه إلى تحقيقه في المجتمع
أما المصادر التفسيرية فتقسم إلى:
1- الاجتهاد القضائي: وهو مجموعة القواعد الموضوعية التي تستنبط من استقرار احكام المحاكم على اتباعها في كافة القضايا التي تتولى امر النظر فيها
2- الفقه: مجموع الآراء التي تصدر عن علماء مختصين في القانون بصدد شرحهم وتفسيرهم له سواء أكان ذلك في مؤلفاتهم او أبحاثهم أو فتاويهم أو محاضراتهم.
هل يمكن قبول نص دستوري قابل للتأويلات؟ أم أننا بحاجة إلى نصوص دستورية واضحة لا يمكن التلاعب بها؟
النصوص الدستورية هي مجموعة القواعد القانونية التي تبين نظام الحكم للبلاد، لذا من الهام أن تكون واضحة وصريحة لا لبس فيها ولا تخضع لتأويلات مختلفة، لأن الدستور الشامل على هذه النصوص هو الأساس الشرعي لوجود الهيئات الحاكمة في الدولة، وهو المحدد لفكرة القانون السائدة فيها، فالنص الدستوري يتميز بأنه نص قانوني له خصائص القاعدة القانونية التي تنظم السلوك في المجتمع بين الأفراد بعضهم مع بعض، ومع الدولة، وتنظم سلوك مؤسسات الدولة أيضاً، وهي عامة ومجردة تنطبق على الجميع دون استثناء، كما أنها ملزمة يجب على الجميع احترامها وتنفيذ ما فيها من أوامر، والنص الدستوري هو نص قانوني ينظم أساسيات الحكم في الدولة، ويبين الحقوق والواجبات والعلاقة بين السلطات الثلاث في الدولة وهوية الدولة الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية.
تم استخدام عبارات “وفقاً للقانون” أو “بحسب ما ينظمه القانون” في نهاية كل الفقرات الخاصة بالحريات، هل ترد مثل هذه الكلمات في دساتير دول أخرى؟
نجد مثل هذه الكلمات في دساتير جميع الدول العربية وبعض الدول الإسلامية، بينما لا ترد مثل هذه الكلمات في الدساتير الأوروبية والأمريكية.
ما هي آليات تعديل الدستور؟ كيف تطرح التعديلات الدستورية للنقاش والتصويت؟
نصت المادة 153 الواردة في الباب السادس من الدستور السوري الحالي على أنه “لا يجوز تعديل هذا الدستور قبل مرور ثمانية عشر شهراً على تاريخ نفاذه”، وتلجأ إلى هذا المنع المؤقت الكثير من الدساتير الجديدة لدول العالم بهدف تأمين قدر من الاستقرار والتجريب لأحكامها قبل ان يتناولها اي تعديل، ويعتبر حكم المادة ساقطاً بعد مرور هذه المدة.
تنص المادة 150 من الدستور المتعلقة بكيفية تعديله على أن:
1- لرئيس الجمهورية كما لثلث أعضاء مجلس الشعب حق اقتراح تعديل الدستور
2- يتضمن اقتراح التعديل النصوص المراد تعديلها والأسباب الموجبة لذلك.
3- يشكل مجلس الشعب فور ورود اقتراح التعديل إليه لجنة خاصة لبحثه.
4- يناقش المجلس اقتراح التعديل فإذا أقره بأكثرية ثلاثة أرباع أعضائه عُدًّ التعديل نهائياً شريطة اقترانه بموافقة رئيس الجمهورية.
ويتبين بذلك أن تعديل الدستور يمر بالمراحل التالية:
1- الاقتراح: منح الدستور كلاً من رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشعب الحق في التقدم باقتراح لتعديل مادة أو اكثر من مواد الدستور، وفي حال تقديم اقتراح التعديل من قبل أعضاء مجلس الشعب السوري، يجب أن يكون موقعاً من ثلث أعضاء المجلس كحد أدنى، ويجب أن يتضمن الاقتراح الأسباب الموجبة للتعديل، وفي كلتا الحالتين تقدم اقتراحات تعديل الدستور إلى رئيس مجلس الشعب، على أن يسجل الاقتراح في ديوان المجلس ويدرج على جدول أعمال أول جلسة تلي تاريخ تقديمه، ويبلغ اقتراح التعديل في حال كان مقدماً من قبل أعضاء مجلس الشعب فور وروده إلى رئيس الجمهورية الذي يملك حق إرسال من يمثله لبحث الاقتراح في اللجنة الخاصة.
2- تشكيل لجنة خاصة لبحث الاقتراح: يقوم مجلس الشعب في أول جلسة يعقدها بعد ورود اقتراح التعديل إليه وتسجيله على جدول أعماله بتشكيل لجنة خاصة للبحث في اقتراح التعديل، ويراعى في اختيار أعضائها الاختصاص، ويتضح من نص الفقرة الثالثة من المادة 150 من الدستور أن مجلس الشعب بهيئته العامة هو صاحب الاختصاص بتشكيل اللجنة الخاصة للبحث في الاقتراح وليس رئيس المجلس، وتقدم اللجنة الخاصة المكلفة بدراسة اقتراح التعديل تقريرها عنه خلال مدة اقصاها 15 يوم من تاريخ إحالته إليها، وتملك اللجنة الحق في أن تطلب من المجلس تمديد هذه المدة خمسة أيام أخرى، ويتضح من ذلك أنه يمكن للجنة الخاصة تقديم تقريرها إلى مجلس الشعب حول اقتراح التعديل خلال مدة أقصاها عشرون يوماً.
3- مناقشة وإقرار التعديل: يقوم مجلس الشعب بعد تقديم اللجنة الخاصة تقريرها حول اقتراح التعديل بمناقشة الاقتراح، وبعد المناقشة يعرض الاقتراح على المجلس للتصويت وإقراره، وتحتاج الموافقة عليه إلى أكثرية ثلاثة أرباع أعضاء المجلس، أما إذا رفض المجلس اقتراح التعديل، فلا يجوز إعادة عرضه عليه ثانية قبل مرور سنة على الأقل من تاريخ تقديمه، وإذا انتهت دورة المجلس ولم يقترن اقتراح التعديل بنتيجة، تمدد الدورة بقرار من رئيس المجلس لبحث التعديل فقط لا غير.
4- موافقة رئيس الجمهورية: على الرغم من اقرار التعديل بالأغلبية المطلوبة في مجلس الشعب فإنه لا يعتبر هذا التعديل نهائياً وفقا للفقرة الثالثة من المادة السابقة من الدستور إلا إذا اقترن بموافقة رئيس الجمهورية، ويؤدي رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشعب في جلسة خاصة القسم الدستوري على الدستور المعدل فور اعتبار التعديل نهائياً.
هل حجم الصلاحيات الممنوحة للرئيس بموجب الدستور الجديد مقبول؟ ألا يمكن أن يؤدي إلى مخاطر؟
لا يعتبر مقبولاً ، يكفي أنه احتفظ بالعديد من الصلاحيات الواسعة بدءاً من رسم السياسة العامة، وتعيين رئيس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم وإقالتهم، وهو القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، وهو الذي يقوم بعملية التشريع خارج إطار مجلس الشعب، وهو الذي يرأس السلطة القضائية ويضمن استقلالها، وهو الذي يعين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية، وهو الذي يحل مجلس الشعب، فأي معنى للتعددية السياسية التي ينص عليها المشروع إذا لم يكن بمقدور مجلس الشعب تعيين رئيس الوزارة والوزراء وفق مبدأ الأغلبية والأقلية، فإن كان الجواب هو إلغاء المادة الثامنة التي كان يعطي لحزب البعث حق قيادة الدولة والمجتمع، نعم ألغيت هذه المادة، لكن قوتها وضعت في يد رئيس الدولة، وعزّزت من سلطته الشمولية، علماً أن هذه السلطات كانت منذ البداية في يد رئيس الدولة من خلال قيادته لحزب البعث والدولة،
باختصار يعتبر هذا الدستور من حيث المبادئ عروبياً بامتياز، وقانونياً يكرس تحكم رئيس الدولة بكل مفاصل الأمور العسكرية والسياسية والتشريعية والقضائية في البلاد ولا جديد فيه. لقد ولد هذا الدستور میتاً، كما أن وضع كل تلك الصلاحيات في يد رئيس الجمهورية من شأنه في حال فراغ المنصب أن يؤدي إلى فراغ في عمل مختلف مؤسسات الدولة وتخبطها في اتخاذ القرارات وانتشار الفوضى وحالة عدم الاستقرار بالمجمل.
اترك تعليقًا