تبدأ قصة جلجامش عندما يستقر حكمه على عرش مدينة أوروك. هو حصيلة زواج البشري أورلوغال مع الإلهة نين-سين، فكان ثلثاه إلهاً وثلثه بشر. وقد حصل من ثلثيه الإلهيين على قدرات خارقة، فكان قوي العزم، شديد البأس، حاكماً مطلقاً لا يجرأ أحد على عصيان أوامره. ولكن هذين الثلثين لم يقياه من أكبر عيوب ثلثه البشري، ألا وهو الفناء. جلجامش في عصره أقوى البشر، ولكنه وكبقيتهم سيموت. وهذا ما لم يعجب جلجامش، بل هذا ما كان قلق حياته.
ولكن بأس جلجامش كان يجعل منه قلقاً أيضاً، كان هذا القلق في الجانب الذي يغري الآلهة والبشر على حد سواء، هذا كان حاجته الشديدة للجنس. مارس جلجامش الجنس مع أي فتاة أعجبته في مدينته/مملكته، وكان يشترط أن يشاطر كل فتاة سريرها في ليلة عرسها. وكان على رأس كل سنة يجسد حب عشتار لتموز بأن يمارس الحب مع كاهنة معبد الحب في رأس برج المعبد، فيعيدان خلق الحياة بأن يمارسا الجنس المقدس، هو تموز وهي إنانا، والجنس بينهما هو الحياة التي تُخلق مع بداية كل ربيع. ولكن طغيان جلجامش طال الرجال أيضاً، فكان يرهقهم في العمل ليل نهار لبناء دفاعات المدينة، أو المباني الأسطورية التي “ستخلد” اسمه. وفي أوقات استراحتهم كان يتحداهم لقتاله، فكان يغلبهم ولو اجتمع عليه نصف العمال.
ولكن كل هذا لم يكن يهدئ من بال جلجامش. كان ثائراً طوال وقته. هاجسه في النهار أنه فانٍ، وهاجسه في الليل أن يجد من تشبع غرائزه. كان مستبداً قاسياً في حكمه، وقد رأت الآلهة عصفه هذا فأرادت أن تريحه، فخلقت له عديلاً معاكساً له. يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه. خلقت الآلهة إنكيدو الرجل خارق القوة، وحشي الهوى، يعيش مع حيوانات الغابة، ويأكل معها ما تأكل.
وعندما يكتشف أحد الصيادين إنكيدو في الغابة يخبر جلجامش عنه، فيرسل الأخير له إحدى كاهنات معبد الحب، تمارس معه الحب سبعة أيام، وفي اليوم الثامن تطلب أن يرافقها إلى أوروك. وأحلام جلجامش تنبؤه بقدوم الرفيق! ولكن وبعد أن سمع إنكيدو عن أفعال جلجامش بالمقبلات على الزواج يغضبه ما يحصل ويذهب بنفسه ليمنع هذا الظلم، فيقف في وجه جلجامش ويصارعه لمنعه.
ولكن ومع احتدام الصراع يتحول القتال إلى حالة مفعمة بالمشاعر المتضاربة. إنكيدو، الإنسان الوحش، المغطى بالشعر، يكاد يكافئ جلجامش في قوته. جسداهما متعرقان متلاصقان. وجلجامش، ولأول مرة، يجد من يتحمل ضرباته، بل ويردها بأقوى منها. تلتحم الأيدي في عراكهما، يقارب جلد أحدهما جلد الآخر، يجفف نفس الأول العرق المنساب على وجه الثاني..
هذه الأسطورة قد أخذت من ألواح سومرية وأكادية وبابلية وآشورية. كثير من أسطرها مفقود، البعض قد تم تعويضه باستخدام ألواح من لغة لتعويض النقص في الأخرى، والبعض قد عوضه المترجمون باستخدام السياق، ولكن الأسطر التي تصف قتال جلجامش وإنكيدو ما زالت مفقودة، أو أننا نظن أنها كذلك.
ولكنني على كل حال سأكمل قصة جلجامش في بحثه عن الخلود أو الراحة الأبدية..
سرمد العاصي
ممكن المصدر لو سمحتهم . افضل الكتاب العرب الذين ترجموا الملحمة هم المفكر السوري فراس السواح والباحث العراقي طه باقر ..