هوموفوبيا

تتكون كلمة هوموفوبيا Homophobia من جذرين يونانيين هما هومو homo والتي تعني واحد، وفوبيا phobia التي تعني “الخوف غير المنطقي والمبالغ به”. لكن بعد أن تُركب الكلمتان تصبحان كلمةً واحدةً في الإنجليزية أو “رهاب المثلية” في العربية.

عندما رُكبت هذه الكلمة، لم تكن المثلية أمراً مقبولاً في البلاد التي تتحدث اللغات اللاتينية أو الجرمانية (كالإنجليزية) لكن ذلك لم يمنع من سبكوا الكلمة أن يلحظوا أن هذا الكره للمثليين هو “خوف مبالغ فيه غير منطقي ولا مبرر”، لكن أي كره لأي أحد فقط لصفة فيه ولد فيها هو كره غير منطقي وغير مبرر. كره الآخر لأنه ولد في غير دين ككره الآخر لأنه ولد بغير لون، أو كرهه لأنه مختلف، يميل لغير ما أميل، أو يرغب بغير من أرغب، كلها من أشكال العنصرية التي لا تشف إلا عن تخلف في الفكر الاجتماعي للبلد الذي تنشأ فيه، ولو كان هذا البلد ينعم بالشوارع العريضة أو الأبنية الشاهقة.gay penguins

تختلف الأسباب التي يرجع من يعانون من رهاب المثلية رهابهم إليها، فالبعض يلجأ إلى مبرر منافاة المثلية للطبيعة، والبعض الآخر لمنافاتها الدين. بعضهم قد مر بتجربة محرجة مع مثلي جعلته يتنبه لوجودهم ويخافهم. البعض يعزو هذا الرهاب إلى نفوره الشخصي من الفعل المثلي دون أن يعرض أسباب مرجعية إلا شخصه، وهناك كثيرون ينفون وجود المثلية أصلاً، وأنها حالة هوليودية فقط، أو ربما مرحلة يمر بها قليل الرجولة أو قليلة الأنوثة، أمر مؤقت، كالحزن على فقدان أحد، أو الخوف من ركوب المصاعد بعد سماع قصة مروعة. ولكن السبب الحقيقي وراء رهابهم هو ببساطة كره الإنسان للمختلف عنه، ورغبتهم في جعل الجميع أشباههم. رد فعل يكاد يكون طفولياً في تطبيقه، حيث يحاربون خوفهم من الغربة مع الاختلاف، بتغريب من يختلف عنهم، والتضييق عليهم، بل وعرض أحقاد تخرج الإنسان من بشريته.

إن حجة منافاة المثلية للطبيعة هي أضعف الحجج على الإطلاق، إذ أن أصحاب هذه الحجة يدّعون أن المثلية هي ناتج عن تربية سيئة لمن “يعاني” منها، أو ظروف استثنائية كغياب الأب، أو سطوة الأم، أو التعرض لحادثة جنسية في عمر مبكر، ولكن من يبحث قليلاً فقط يستطيع أن يعرف أن المثلية موجودة أصلاً في الحيوانات، وأن فيهم من يظهر رغبةً جنسية في الجنس المماثل، بل ويمارس ممارسةً جنسيةً مثلية. وليس أشهر من روي وسيلو* البطريقين المثليين اللذان لم يقبلا بعدم قدرتهما على الإنجاب، وحاولا عديداً الحصول على طفل، مرة بأن يجلسوا على صخرة علها تفقس، ومرة بسرقة بيوض أزواج آخرين، وعندما قررت الحديقة منحهم بيضة من زوج لم يستطع العناية بها استطاعا تفقيسها وتربيتها والحرص عليها كأي زوج غيري من البطاريق مع أولادهم.

وقد تواجدت المثلية في الطبيعة بأشكال أخرى عديدة، في الكثير من الحيوانات الأخرى ففي الطيور لوحظت المثلية عند البجعات السود والحمام والبط، وعند الثدييات كالدلافين والثور الأمريكي وقرد البونبو والفيلة والزرافات والأسود والخراف كما لوحظت في العظاءات والحشرات.

حتى أن العلم والطب الذي نتبع تعاليمه ونطبق مبادئه في كل أمور حياتنا قد رفض جعل المثلية مرضاً، ويوم حذْف منظمة الصحة العالمية للمثلية من قائمة أمراضها هو يوم عيد للمثليين، يقع في السابع عشر من أيار. يوم مكافحة رهاب المثلية IDAHO أو IDAHOBIT.

يختبئ الكثيرون ممن يعانون من رهاب المثلية وراء الدين، ويتهمون المثليين باللواطة، أو الانحراف، ولكن هذا التقدير أبعد ما يكون عن الدين، فقد أصبح هناك قراءات جديدة للإنجيل وللقرآن والسنة، وتفسير حداثي يصحح النظرة الدينية للمثلية، ويشرعنها كنتاج للطبيعة، لا انحرافاً عنها.

إن أكبر دلائل من يختبؤون وراء المسيحية هي قول العهد القديم بألا يضاجع رجل رجلا كما يضاجع المرأة في الوصايا، ولكن النص أوسع من هذا، ويشمل العدد من الوصايا التي لا يمكن تطبيقها ولا مبرر لها إلا في سياق العهد القديم، كمنع لبس الملابس ذات القمائش المختلفة وهو أمر لا يعيره أي مسيحيّ أيا اهتمام، لا لبعده عن دينه، وإنما لمعرفته المؤكدة بوجود سياق لا يوجد في هذا اليوم. والكثير من الكنائس في دول العالم تبارك الزواج المثلي وتحتضنه وتسمح بممارسة شعائره داخل جدرانها.

أما بالنسبة للإسلام، فالمحرم فيه هو اللواط، واللُّبس هنا في خلط المفهومين، فاللواط ممارسة جنسية شاذة يفرضها المرء على طبيعته رغم نفوره منها، وهي تعاكس المثلية أو الغيرية الجنسية حيث يجد المرء نفسه مقتاداً لها بفطرته حتى ولو حاربها أو رفضها. يحث الدين الإسلامي المرء على تقبل فطرته، ويحارب من يحاربها، وقد وجد بعض المسلمين المثليين ضالتهم، فقد ذكرت مجلتنا في أحد أعدادها السابقة خبراً عن رجلين مسلمين في فرنسا يعقدان عقد زواجهما ويقران بأنهما مسلمان، بل ولا يريان أي تعارض بين الأمرين.

بالطبع، فإن المتطرف دينياً سيعترض بأي حال، ولكن هذا المتطرف يرى في المرأة ضلعاً قاصراً، وفي الحداثة بدعةً، وفي الآخر مهرطقاً، وفي أي متدين لغير دينه متعصباً. وإقناع هذا ليس غايةً ترجى، لا لاستحالتها، بل بعدم جدواها، فالمتطرفون في فكرهم سيجدون دوماً المبرر لأعمالهم، سواءً في دينهم أو في دين غيرهم، وفي تصرفاتهم أو في تصرفات غيرهم، وهؤلاء الأجدر تحجيمهم وحماية المجتمع من فعلهم وقولهم، دون التعرض لإنسانيتهم، فالإنسانية هي الأساس.

يجدر بالذكر أن ثنائية الذكر والأنثى التي يظن العديدون أنها الأصل في الوجود هي في الحقيقة ليست إلا أحد أشكال الطبيعة. فالعديد من الكائنات الحية تمتلك عضوين تكاثريين واحداً ذكرياً والآخر أنثوياً، كالعديد من الزهور من النبات وبعض الرخويات من الحيوان، وبعض الأحياء لا تتكاثر بالجنس أصلاً، كالجراثيم التي تتكاثر بالانشطار، أو كتكاثر أشنة الفيوناريا الذي يحصل بالانقسام، وغيرها من أشكال التكاثر اللاجنسي كالتبرعم والتبوغ وغيرها. أي أن ثنائية الذكر والأنثى ما هي إلا إرث ثقافي، نشترك فيه مع بعض الحيوانات، ونختلف فيه مع الأخرى.

العديد من الغيرين يرى أن مشكلته مع المثلي هي بعدم ثقته به، فهذا المثلي يمكن أن يحاول أن يتقرب منه، أو يمسه بطريقة جنسية، وهذا الشك قد يكون مبنيّاً على حادثة قد حصلت معه، أو انه ببساطة استنتاج توصل له لسبب أو لآخر.

المثلية طبيعة في الإنسان والحيوان ولا تحصل نتيجة حادثة أليمة في الطفولة أو الصبا، على عكس رهابها غير المتأصل والذي يمكن أن يكون نتيجة حادثة غير اعتيادية، كأن يتعرض أحدهم لموقف ما مع أحد رافقه المثليين، حادثة تحرش ربما، أو قصةً عاطفيةً من طرف واحد. ولكن تعميماً على كل المثليين من هكذا حادثة هو أقرب للسخف منه إلى الواقعية، وقد يكون الأمر بحاجة لمعالجة في بعض الحالات الخاصة، إلا أن هذا لا يعني أن المثلية كلها ملامة، ولا يعني أن كل المثليين يرغبون بكل الغيريين. فليس كل شاب معجباً بكل فتاة، وإن كان هذا الحال عند بعضهم فهو أقرب للحاجة منه للرغبة وناتجاً عن الحرمان لا الفطرة. وخوف أحدهم من أن يتحرش به صديقه المثلي هو إطراء لذاته مبالغ فيه وطعن في أخلاق صديقه ليس له أي مبرر. إذ لا يمكن لأحدهم أن يتعرض لأيّ أحد إن كان لديه الرادع الأخلاقي، سواءً أكان مثلياً أم غيرياً، ومن يعوز الرادع الأخلاقي لا يستحق الصداقة أصلاً سواءً أكان مثلياً أم غيرياً. وربط قلة الأخلاق بالمثلية كربط قلة الإحساس بالذكور، أو قلة الحيلة بالإناث، ربط بأقله مجحف وبأكثره عنصري ومهين.

يوافق العديدون على كل ما ذكر سابقاً، ويسكتون عندما يقال إن المثلية طبيعية أو أخلاقية غير معترضين، ولكنهم وفي آخر الحديث ينوهون أنهم لا يمانعون وجود المثلي طالما هو بعيد عنهم، وطالما أن تصرفاته لا تنم عن مثليته. والمشكلة في هذا الرأي، والذي هو تقدم عمن ينكر حقوق المثليين على كل حال، أنه ينكر جوهر العدالة الاجتماعية، إذ لا يمكن أن تقول لأسود اللون أنه مقبول إن دهن وجهه بالأبيض، أو ان المسلم مقبول إن لم يتصرف كمسلم في حياته العامة، فمع أن الدين خيار وليس صفة خلقية، ولكن معتنقه يرى فيه طريقة حياة يتوجب عليه اتباعها إن لم يكن نشرها، فكيف بما هو طبيعيّ كالمثلية، والتي يستحيل نشرها لأن الفطرة لا يمكن تنشئتها، بأن تكون نمط حياة. كلنا يعرف طفولته، وكلنا يذكر اختلافه عن غيره وإحساسه العالي بغربته في محيطه وقتها. معظمنا حارب هذه المشاعر المختلفة لخوفه من عواقبها، والكثير منا لم ينجح بعد. ولكن بداياتها كان حتى قبل أن تظهر الرغبات الجنسية عند أحدنا. صحيح أن الفرق الجوهري بين المثلي والغيري هي ممارسات غرفة النوم والتي لا يحق لأحد غير أطرافها المعنية أن يتحكم بها أو ان يفرض شكلها، ولكن المثلية أيضاً ليست مجرد ممارسة جنسية، فالمثلييون يحكم حياتهم اختلافهم عن الآخرين، والتزام بعضهم بهذا الاختلاف، إما تحدياً للمجتمع، وهو تحد غير مرفوض لما يمارسه المجتمع من ضغوط، أو رغبةً بتأكيد اختلافهم كمثليين.

بالطبع فإن أحد أشكال رهاب المثلية هو نفي وجودها أصلاً، والتعامل معها على أنها ظاهرة تلفزيونية أو اختراع غربي “لكثرة” الحرية التي يتمتعون بها، وكأنهم يقولون إن الرادع الذاتي معدوم عندهم وأن قلة الحرية هو ما يمنعهم من “التحول” لمثليين. أو ان الحرية يمكن أن تنتج ما هو سيء. إذ لا أجدها قد أضرت بشعوب العالم الأول، فلا الانتظام ولا احترام الجار ولا إطاعة القانون ولا التمتع بحياة رغيدة ولا السياحة ولا الثقافة ولا التقدم العلمي ولا العمران ولا الفن ولا التمتع بحقوق إنسانية ولا أي من هذا يضر بالشعوب، ولا أرى ضيراً في أن ننعم ببعض من هذا، ولو بعد حين.

——

*Roy and Silo بطريقان يعيشان في حديثة الــCentral Park في مدينة نيويورك حتى هذا اليوم عن عمر يناهز الخمسة وعشرين عاماً.

Saramadorontes@live.com

سرمد العاصي

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: