يبدو أن علة التشكيك والمعارضة لكل ما قد يكون مفيداً هي سمة سورية بامتياز، فبعد أن نشرنا في موالح عن مبادرة يوم الفخر المثلي في سوريا، بدأ الجميع بإرسال تعليقات لا تخلو من الفذلكة والتنظير السوري المعهودين، لكن قبل الخوض في الرد على هذه الفذلكات والتنظيرات، يجب أن نوضح نقطتين هامتين:
أولاً: الغاية الآنية لمجلة موالح هي أن تكون صوتاً مثلياً حاضراً في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ سوريا.
ثانياً: في هذه المرحلة الحرجة، لا يمكن بأية حال البدء بالمطالبة بحقوق المثلية الجنسية، لذلك كانت الأهداف الأخرى لموالح هي التوعية ومحاولة جمع المجتمع المثلي لنشعر بقوتنا في اتحادنا.
لا ندعي، كما لا نمتلك الحق في أن ندعي، أننا ممثلو المجتمع المثلي السوري، نحن صوت مثلي سوري صادف أن يكون الوحيد حالياً، كما صادف أن بين أعضاء فريق موالح من لديه الخبرة في النشاط في حقوق المثلية، لذلك كنا نحاول طرح المبادرات التي تشعر أفراد المجتمع المثلي بأنهم جزء من مجتمع أكبر، يقف أفراده مع بعضهم البعض، ومن هنا انطلقت فكرة مبادرة يوم الفخر المثلي.
جرت العادة على ترجمة مصطلح LGBT Pride Day، بيوم الفخر المثلي، وقد اعترض بعض المفذلكين على فكرة الفخر المثلي بقولهم أنه لا يوجد لديهم ما يفخرون به، متجاهلين أن الأصل في الكلمة وفكرة المسيرة هي الفخر بقبول الذات، فالأساس لكلمة “مثليّ وأفتخر”، هو ذلك الشعور بالرضا والاعتزاز بعد قبول التوجه الجنسي والتصالح مع الذات، وكنا قد ألمحنا في عددنا الأخير من موالح أن مسيرات الفخر في السنوات الخمسة عشرة الأخيرة قد تحولت من مسيرات حقوقية إلى أمر أشبه بحفلات تغلب عليها المظاهر التجارية، إلا أن رفض المظاهر التجارية الاستهلاكية لا ينفي أن بداية مسيرات الفخر كانت لذات الغايات والأهداف التي نحلم أن نصل إلى مرحلة المطالبة بها مستقبلاً، وبالتالي، يمكننا أن نصل بمسيرات الفخر المثلية في سوريا إلى تجاوز تلك المظاهر التي قد نتفق أو نختلف معها.
من الأسباب الأخرى لاقتراح يوم الفخر المثلي في سوريا هو أن نشعر أننا كتلة واحدة حقيقةً ونصل إلى الإيمان بتلك الحقيقة، فبمجرد أن نرى صوراً موحدة تجمعنا ولو ليوم واحد، سنشعر كأفراد بقوتنا مجتمعين، كما سيشعر من يقع منا في مأزق أن هناك مجتمع يدعمه/يدعمها في تجاوز ذلك المأزق، حتى إن كان ذلك بمشاركة صورة أو جملة، لتنتفي تلك الفكرة التي ترد على بال أيٍّ منا عند الشعور بالوحدة المتمثلة في كلمات مثل “أنا لحالي، وما حدا رح يوقف معي”، تلك الكلمات التي لا بد أنها راودت أياً منا في لحظة من اللحظات، والهدف من المبادرة أن تستبدل تلك الفكرة بفكرة أفضل تقول “أنا مو لحالي، في حدا رح يوقف معي”.
بالطبع، يغفل كل المفذلكين والمنظرين عن تلك الحقائق البسيطة، فمن أهم مميزات الفرد السوري حالياً هو التشكيك في كل شيء، انتقاد أية محاولة لتصحيح الأوضاع، وتصيّد الأخطاء.
هناك قسم آخر من الضالعين في الفذلكة والتنظير ممن يبرعون في تعقيد كل أمر مهما بدا بسيطاً، حقوق المثلية الجنسية تشمل حقوق المثليين والمثليات وثنائيي وثنائيات الجنس والمتحولين والمتحولات جنسياً، لكن بعض أفراد المجتمع المثلي يرفضون فكرة التحول الجنسي، في تناقض غريب مع فكرة قبول الذات، فكما نؤمن بأن المثلية الجنسية هي أمر طبيعي وليست مرضاً، علينا أن نقبل أن هناك أفراداً يؤمنون بأنهم لا ينتمون إلى أجسادهم، ويرغبون بإجراء عملية تصحيح للجنس.
بعض الرافضين لهذه الفكرة يتذرعون بعدم تقبل الغيريين للمتحولين جنسياً، متناسين أن المطالبة بحقوق المثلية تعني في جوهرها المطالبة بقبول واحترام الاختلاف، بكل بساطة وبعيداً عن أي تعقيد، فإن كنت تبحث عن تغيير كل ما أنت عليه لأجل إرضاء من حولك، فهل سترفض يوماً أن تخضع لعلاج لمثليتك ممن يضعون لك شروطاً لقبولك إن هم اشترطوا عليك ذلك قائلين، “جرب/جربي تتعالج/تتعالجي، وإذا ما زبط العلاج منقبلك متل ما أنت/أنتي”.
أما رافضو من يرتدون ملابس الجنس الأخر، فيتذرعون بأن فكرة المجتمع الغيري أن جميع المثليين هم أشخاص يشعرون باضطراب في الهوية الجنسية مستدلين بذلك بفئة من المجتمع المثلي ممن يفضلون ارتداء ملابس الجنس الآخر.
بعيداً عن الخلاف الكبير في المجتمع المثلي حول هذه النقطة التي تعد حرية شخصية لصاحبها، نقترح للمختبئين خلف ربطات العنق ومظاهر المبالغة في إبراز الذكورة أن يخرجوا للعلن ليظهروا للمجتمع الغيري الوجه الآخر للمجتمع المثلي الذي لم يمتلك الشجاعة لإظهار جانب من جوانبه سوى من يفضلون ارتداء ملابس الجنس الآخر، فقبل أن تنتقد شجاعة الآخرين من مخبئك، عليك أن تتحلى بجزء يسير من تلك الشجاعة.
يبرع بعض المنظرين والمتفذلكين أيضاً بمحاولة فرض نظرة أحادية الجانب على كل شيء، فيرسلون قائلين “يجب أن نظهر للمجتمع أننا مثقفون ومتعلمون وفنانون”، لكن هذا ليس أكثر من نظرة سطحية تعكس شعوراً بالنقص لم يتجاوزه أصحاب هذا الفكر. هنالك بالتأكيد الكثير من المبدعين والمبدعات من أفراد المجتمع المثلي، لكن حقوق المثلية الجنسية لا تخصص لأصحاب الشهادات والمبدعين، فهناك قسم كبير من أفراد المجتمع المثلي ممن لم يحالفهم الحظ في التعليم، مثلهم في ذلك كمثل الكثيرين من أفراد المجتمع الغيري، فهل يطالب هؤلاء المنظرون بحرمان من لا يحصل على تأهيل جامعي من تلك الحقوق؟
الطريف في الأمر، أن جزءاً كبيراً من هؤلاء المنظرين يغفلون حقيقة هامة ومؤكدة، وهي أن السؤال الثالث، أو الرابع، لأي شخص مثلي عند التعرف إلى مثلي آخر عبر الانترنت هو “قديش كبرو تبعك؟”، وقبل أن يفكروا بالرد سنقول، أن المثليين الذين لم يحالفهم الحظ في التعليم، قد لا يستطيعون الاتصال بالانترنت أو لا يستطيعون إنشاء ملفات تعريف خاصة بهم على أي موقع من مواقع التواصل الاجتماعي. نعم عزيزي المنظر المفذلك، هذا السؤال يسأله أطباء ومحامون وكتاب وفنانون، فالجنس في النهاية له متطلبات، لعل أهمها على الإطلاق لكثير من أقرانك من المتعلمين والمبدعين وحاملي الشهادات هو حجم القضيب.
يوم الفخر المثلي في سوريا هو عبارة عن رسالة للمجتمع المثلي بأننا موجودون معاً، ونعتقد أن من يرفضه لأحدد الأسباب التي ذكرناها أعلاه، سيظل رافضاً لأية فكرة حول حقوق المثلية أياً كانت، فهؤلاء الرافضون ليسوا سوى منظرين ومفذلكين، لا هم لهم سوى انتقاد الآخر، كما أنهم ليسوا سوى مجموعة من الجبناء الغير قادرين على اتخاذ خطوة بسيطة إن لم تسهم في خدمة قضية حقوقهم، قد تسهم في نزع شعورهم بالوحدة.
يوم الفخر المثلي في سوريا، سيكون يوماً نسعد فيه بأية صورة وشعار من الشعارات المقترحة، وسنعرف أن من بين أفراد المجتمع المثلي في سوريا من يستحق منا كل هذا الجهد، أما المفذلكون والمنظرون والجبناء فعليهم مواصلة الاختباء والترصد، ونحن علينا الاستمرار، وقد يصبح من المحتم علينا تجاهلهم.
اترك تعليقًا