“هدية زفاف كليوباترا” هو ترجمة اسم الكتاب، وما من اسم يعبّر عن رحلة إلى سوريا كهذا الاسم؛ لقد احتار مارك أنطوني بشأن هدية الزفاف التي يجب أن يقدمها إلى كليوباترا، فماذا يمكن أن ينقص ملكة فرعونية تعتلي عرش مصر؟ ينقصها سحرٌ، جمالٌ، وأرض من لم يرها سيظل ناقصاً، لذلك تخلّى عن عرش سوريا لكليوباترا، كرمزٍ لحبه لها. يقول عنها روبرت تيودور موس في كتابه “سوريا كانت جزءاً من عربون الحب الذي قدمه كارك أنطوني إلى كليوباترا، ففي وقتها، وحتى في وقتنا الحاضر، هي أرضٌ للحب والألغاز، ولا تكشف عن ألغازها بسهولة لأيٍّ كان”
لم يكن روبرت تيودور موس في كتابه مجرد سائحٍ مثليٍّ يبحث عن الجنس في مكانٍ بعيد، فقد زار سوريا في عام 1994، ليستكشفها حقاً، ويبحث عن أسرارها التي عرف أنها لن تبوح بها بسهولة، فزار كلّ المواقع الأثرية، من المدن المنسيّة في إيبلا، إلى ماري وتدمر وغيرها، كما قام باستكشاف المجتمع المثليّ خلال زيارته تلك.
وصل تيودور-موس أول ما وصل إلى حلب، من هناك تبدأ رحلته في الكتاب، من فندق بارون، الذي ينطلق منه لاستكشاف مدينةٍ كانت ولا تزال من أكثر المدن السوريّة عبقاً بالمثليّة المستترة خلف حواجز الخوف والذعر من افتضاح السر الدفين، لكنّ ذلك لم يمنع البعض من البوح له بأسرارهم، خاصةً تجار المدينة القديمة، وبعض نزلاء الفنادق الآخرين. من حلب، بدأ تيودور-موس رحلته في سوريا، حيث قضى في شمالها وقتاً ليس بالقصير، يكتب عن أحوال الناس وما يشاهده بأمانةٍ فائقة، يرصد ما يراه بعينين مثليّتين، ويحاول أن يخترق حاجز صمت المثلييّن السورييّن.
يأخذك الكتاب عبر عينيّ صاحبه، الذي كان أميناً في نقل كل ما رآه وسمعه، في رحلةِ استكشافٍ لمثليّة سوريا، لما يختبئ خلف ستائر القمع الديني والحكوميّ وقتها لكلّ مظاهر المثليّة، ولكلّ تعبيرٍ عن رغبة حتى في التنفّس، فقد كانت سوريا تختنق بعجز أبنائها عن اللحاق بركب من حولهم، لكنّ سوريا كما رآها زائرها المثليّ، لم تكن أيضاً كما يريد الغرب أن يصورّها في إعلامه، فالبساطة فيها تتجاوز الفهم، والناس الودودون المحبّون هم أجمل من أن يوصفوا.
تضحك مع الكتاب، تبكي، تبتسم، وتُفاجأ بمدى تمكّن كاتبه من رصد ما رأى، وإن كنت أصغر من أن تتذكّر مرحلة التسعينيات، ولم تعرف عن بلدك وعن من سبقك من المثليّين فيها وقتها، فهذا الكتابُ هو دليلك الوحيد لمعرفة ما كان يجري في سوريا في تسعينيات القرن الماضي، وستراه بأعينٍ مثليّة.
الكاتب:
الصحفي البريطاني Robert Tewdwr Moss، من مواليد عام 1961، وجد مقتولاً في شقته في لندن بعد يوم من واحد من إنجازه لكتابه هذا، وذلك في الرابع والعشرين من آب عام 1996، في جريمة قامت على ما يبدو مع سبق الإصرار، لكن دون ترصد، حيث بدا واضحاً أن الجريمة كانت لحظية الحدوث، دون تخطيط مسبق، فقد عُثرَ عليه مقيد الساقين بسلك جهاز التلفاز الذي كان يمتلكه، كما أن يداه كانتا مقيدتين بحامل الستائر في شقته، وتم تكميم فمه بحزامٍ قماشي لبزته الرسميّة بعد أن وُضع فيه زوجين من الجوارب.
تيودور-موس هو خريج جامعة لندن، كلية بدفورد للغة الإنكليزية، مع مرتبة الشرف، وكان كما يقول عنه بعض من عرفه، محبوباً، جذاباً، طويل القامة، وجميل الملامح، كما كان يحب الملابس، ويعتبرها تعبيراً عن الذات، وكان يفضل الستر المخمليّة.
تمت سرقة جهاز الكمبيوتر المحمول الذي كان تيودور-موس يحفظ الكتاب عليه، وعندما عُثر على الجهاز، كانت النسختان اللتين حفظهما على الجهاز وعلى قرصٍ مرنٍ “”floppy disk كان موجوداً داخل الجهاز، قد تمت إزالتهما، لذلك فالنسخة الحالية المطبوعة هي نسخة أقدم، كان الكاتب يقوم بتنقيحها، وهي كل ما توفّر من الكتاب.
سامي حموي
SyrianGayGuy@gmail.com
اترك تعليقًا