آلان تورينغ Alan Turing (23 حزيران 1912 – 7 حزيران 1954) كان عالم رياضيات بريطاني مختص بعلوم الحاسوب والتشفير وكان له أثر كبير في تطوير علوم الحاسوب وبناء نموذج أولي للحاسوب المعاصر. يعتبر تورينغ عرّاب علوم الحاسوب والذكاء الصنعي التي كان لها الأثر الأكبر في التطور الهائل الحاصل في النصف الثاني من القرن المنصرم.
طفولته ودراسته الجامعية:
ولد تورينغ في لندن وكان والده يعمل في الخدمات المدنية في الهند فأمضى معظم طفولته عند أقرابه وأصدقاء عائلته. ظهر اهتمامه بالرياضيات فور التحاقه بالمدرسة الابتدائية ولكن ذلك لم يلق استحسان بعض أساتذته الذين كانوا يحثونه على الاهتمام بالآداب معتبرين أنها تدل على ثقافة وتعليم الطلاب بشكل أكبر.
موت أحد أصدقائه في السابعة عشر من عمره جعله يفقد إيمانه ويتحول إلى ملحد يؤمن بحتمية وجودة تفسير علمي رياضي لكل الظواهر الطبيعية التي نصادفها في حياتنا اليومية.
بدأ تورينغ حياته الجامعية في جامعة كينغ King’s College في كامبريدج وحصل فيها عام 1934 على بكالوريوس في الرياضيات. في عام 1936، انتقل إلى الولايات المتحدة ليستكمل دراسته في جامعة برينستون Princenton University التي حصل منها عام 1938 على دكتوراه في الرياضيات وعلوم التشفير.
عمله خلال الحرب العالمية الثانية:
بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية عام 1938، بدأ تورينغ بالعمل مع المنظمة البريطانية المختصة بالتشفير Government Code and Cipher School (GCCS).
تلخص عمله خلال الحرب العالمية الثانية بمساعدة الاستخبارات البريطانية على فك تشفير رسائل الحرب الألمانية وتمكن بمساعدة زملائه في BCCS من بناء آلة قادرة على فهم رموز الآلة الألمانية التي كانت تستخدمها القوات الألمانية لإرسال رسائل مشفرة.
كان عمله في غاية الأهمية للقوات البريطانية وقوات الحلفاء بشكل عام وقد قلد الملك جورج السادس وسام …. عام 1948 إلا أن طبيعة عمله وإنجازاته العلمية خلال فترة الحرب بقيت سرية لفترة طويلة بعد وفاته.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، توجه تورينغ إلى علوم البيولوجيا الرياضية mathematical biology وبدأ بوضع عدة نظريات وتجارب لم يكتمل العمل عليها بسبب اضطرابات في حياته الشخصية.
حياته الشخصية ومثليته:
لم يكن تورينغ شاباً ضخماً ذو بنية رياضية وشكل ذكوري بمعايير الفترة التي عاش بها. بل كان نحيلاً ذو دقن ناعمة وصوت منخفض خجول. أثار ذلك الشكوك حول ميوله الجنسية منذ بداية عمله مع الحكومة البريطانية مما أثار سخط بعض من زملائه في العمل إلا أن عبقريته وحاجة الحكومة إليه أثناء الحرب جعلت منه عالماً لا يمكن الاستغناء عنه في تلك الفترة العصيبة.
في عام 1942، تقدم بالزواج لإحدى زملائه في العمل في GCCS وواقفت على طلبه. ولكنه تراجع عن الموضوع بعد فترة وأخبرها بمثليته وعدم قدرته على الزواج بامرأة.
في كانون الثاني من عام 1952، تعرف تورينغ على أرنولد موراي Arnold Murray، شاب في التاسعة عشر من عمره، وقام بدعوته ليمضي عطلة نهاية الأسبوع في منزله. ولكن الشاب قام باقتحام شقة تورينغ و سرقة بعض محتوياته مما دفعه إلى التبليغ عن السرقة وأثناء التحقيق مع الشرطة، لم ينكر تورينغ وجود علاقة جنسية بينه وبين موراي معتبراً هذه العلاقة أمراً طبيعياً لا يوجد مبرر لإخفائه أو الكذب بشأنه.
تم إلقاء القبض على تورينغ وموراي بتهمة “الإخلال بالأخلاق العامة وممارسة أعمال اللواطة” وهي التهمة التي كانت توجه للمثليين في بريطانيا آنذاك، حيث كان القانون لا يزال يجرم المثلية الجنسية بعقوبة السجن لفترة تتراوح بين سنة و 5 سنوات. كان أمام تورينغ خيار بديل لتجنب السجن وهو الخضوع لعلاج بالهرمونات الأنثوية للتخفيف من رغبته الجنسية (إخصاء كيميائي) وبعد المشاورة مع محاميه، قرر تورينغ أن يقبل بهذا العلاج الكيميائي الذي امتد لعام واحد.
تسبب العلاج الكيميائي باضطرابات في الهرمونات الذكورية مما أدى إلى إصابة تورينغ بالعقم بالإضافة إلى فقدانه للعديد من الصفات الجنسية الذكورية كالصوت الأجش وشعر الذقن والجسم وظهور بعض الصفات الأنثوية مثل تضخم الصدر.
تم العثور عليه ميتاً في الشقة التي كان يعيش فيها مع والدته في 7 حزيران 1954، بعد سنتين من بدئه العلاج وأعلن فيما بعد أن سبب الوفاة هو الانتحار حيث كشفت التحاليل الطبية عن وجود جرعة قاتلة من سم السيانيد في جسم تورينغ. إلا أن بعض المؤرخين يشكك في فكرة انتحار تورينغ ويعزو وفاته بسم السيانيد إلى تجربة كيميائية كان يقوم بها في ذلك الوقت.
ذكراه والاعتراف بإنجازاته:
بعد وفاته، قامت العديد من الجامعات والمنظمات العالمية بتكريمه والاعتراف بإنجازاته الكبيرة في علوم الحاسوب. فمنذ عام 1966، تمنح رابطة آلات الحوسبة Association of Computing Machinery (ACM) جائزة سنوية باسم تورينغ Turing Award التي تعد مكافئ لجائزة نوبل في علوم الحاسوب.
في أيلول 2009، رداً على عريضة نالت أكثر من 100 ألف توقيع، قدم رئيس الوزراء البريطاني آنذاك غوردون براون Grodon Brown اعتذاراً رسمياً باسم الحكومة البريطانية على الطريقة “المشينة” التي تمت معاملة تورينغ بها حيث قال:
“اجتمع آلاف الأشخاص اليوم ليطالبوا بالعدالة لآلان تورينغ والاعتراف بالطريقة المشينة التي عومل بها. وعلى الرغم من أن ما حصل تم بموجب القانون آنذاك ولا يمكننا إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، إني أؤكد اليوم أن معاملته كانت جائرة كلياً وأفتخر بأن تتاح لي الفرصة للتعبير عن عميق أسفي وأسفنا جميعاً لما حصل له. ولذلك، ونيابةً عن الحكومة البريطانية، أعتذر لك آلان. لقد كنت تستحق أفضل من ذلك بكثير”.
آدم دومري
Adam.Domari@gmail.com
اترك تعليقًا