أنا مثليّ… أنا سوريّ: القانون

«ليس هناك شخصٌ واحد يصْدِر اتهاماً دون أن يفكر مسبقاً في العقاب والانتقام، حتى وإن كان المتهم هو قدَرُه أو هو نفسُه. كلُّ شكوى تُعْتَبَرُ اتهاماً، وكل رضى يُعْتبَر إطراءً، ففي كلتا الحالتين نُحَمِّلُ المسؤوليةَ لأحدٍ ما»… نيتشه

 فيما عدا الأردن، كلّ دول المنطقة تعتبر أن المثلية الجنسية جريمةٌ يعاقب عليها القانون.

 المشكلة الثالثة: القانون

 من الطبيعي كما اقترح نيتشه أن يكون لكل جريمة عقاب، لكن السؤال كيف يمكن أن تحدد عقوبة جريمة لا ذنب للمجرم في ارتكابها؟ ما العقوبة المقترحة «لجريمة» وُصمْتَ بها منذ الولادة؟

 من الطبيعي لأنظمةٍ كنظامي إيران والسعودية أن تصل العقوبةُ حدّ الإعدام، أما في سوريا وغيرها من الدول فستتراوح العقوبة بين الخمس والسبع سنوات. المشكلة الوحيدة التي تواجه هذه الدول هي «آلية القبض على المجرم»، فمن المسلّم به أن المثليّ لن يقوم بتسليم نفسه للسلطات، كما أنه لا يوجد متضرر فعليّ من «هذه الجريمة» ليتقدم بشكوى ضدها.

 بعيداً عن النظامين الإيرانيّ والسعوديّ، تتبع دول المنطقة الأخرى أسلوباً منظماً لترهيب المثليين والقبض عليهم، يماثل بشكل كبير أعمال «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» السعودية، حيث تقوم هذه الدول «بالإغارة» على أماكن تجمع المثليين بين وقت وآخر، وتقتاد الكثيرين منهم إلى مراكز الشرطة وتبرع في إهانتهم بمختلف الأشكال والأوجه، وتبقيهم محتجزين لفترة محسوبة، قد تكون قصيرة لكنها كافية لبث الذعر في قلوبهم، والغرض من مثل هذه الغارات عادة هو الترفيه عن رجال الشرطة بحسب ما اعترف به أحدهم لي، بينما قد تطول فترة الاحتجاز حتى تعرف العائلات بأمر مثلية أبنائها، ويكون الغرض من مثل هذه الغارات في أغلب الأحيان هو أن مسؤولاً جديداً قد وصل إلى إدارة الشرطة، ويريد أن يثبت وجوده باستهداف أسهل طريدة علماً منه أن ذلك سيكسب له احتراماً ويعفيه من أخطار قد تترتب على اختياره طريدة أخرى قد تكون مدعومةً من قبل ضباط أعلى منه رتبة. في كلا الحالتين، إن هذه الغارات ما هي إلا جريمة منظمة ترتكب في حق المثليين من قبل رجال الشرطة والأمن تحت غطاء من القانون، ومن المثير للاستغراب والاستهجان في آنٍ معاً، أن مثل هذه الغارات هي أكثر كثافةً في الدولة الوحيدة في المنطقة التي لا تجرّم المثلية، الأردن، حيث تمّ، على سبيل المثال، مضايقة المثليين بشكل كبير مما أدى إلى إغلاق نادي RGB المثلي هناك.

 من أصعب المواقف التي يتعرض لها المثليون هي لحظات الاعتقال والتحقيق، فبسبب عدم وجود مبررات حقيقية أو جريمة محددة يمكن توجيهها إليهم، يتم التعامل معهم بشكل مشين ومسيء يظهر سادية رجال الشرطة وولعهم بالتعذيب والإذلال، كما  حدث ذات مرة في سوريا، عندما قام رجال الشرطة في قسم شرطة عرنوس بإلقاء القبض على شاب مثليّ، وقامو بتجريده من ملابسه، وبدأوا بلمسه وقرصه، مع كلمات استهزاء وجههوها إليه، أقلها سؤاله عما إذا كان يمتلك عضواً ذكرياً، وكعادة الساديين من الشرطة، فقد قاموا بتصوير تلك الواقعة عبر جهاز هاتف محمول، والفيديو موجود لدينا في موالح لمن يرغب بالتأكد من تلك الحادثة.

 ربما يكون أحد أهم وسائل الحماية ضد الاستخدام التعسفي للقانون هو معرفة المثليّ لحقوقه، إلا أنّ ذلك لا يفيد كثيراً في ظل تعطيل القانون لحساب قوانين الطوارئ المعمول بها في أغلب دول المنطقة، والتي تجعل من تلفيق التهم السياسية لبعض المثليين أمراً أشد خطورة من الاعتقالات التعسفية بتهمة «الشذوذ الجنسيّ»، وهذا ما يزيد من المخاطر التي قد يتعرض لها المثليون حالياً، ففي ظل الثورات العربية، أصبح الاعتقال التعسفي والممارسات المهينة ضد المثليين أمراً مبرراً من وجهة نظر القيمين على القانون في الدول التي لا زالت تعاني من عدم الاستقرار في مرحلة ما بعد الثورة، أو في دولة مثل سوريا التي لا تزال الأحداث فيها تتجه لتصبح أكثر دموية وعنفاً يوماً بعد يوم.

 من الملاحظ أن الأنظمة القائمة في دول الثورات العربية لم تتمنع عن استخدام وصف المتظاهرين بصفات مثلية لتثير مشاعر مختلفة عند عامة الشعب، وكانت تلك أحد الوسائل الدائمة في حروب الأنظمة الإعلامية، والتي استخدمت بشكل كبير في بداية الأحداث السورية.

 من الهام معرفة أن استخدام الأنظمة لوسيلة التشهير باالمثلية إنما هي وسيلة لاستخدام تعلق المجتمعات العربية بالدين والعادات والتقاليد لبث فكرة «الخطر القادم من الغرب» وفكرة «المؤامرة» على الشعوب العربية خاصة والإسلامية عامةً، ومما يساعد في ذلك هو الاستخدام المقرف للمثلية في الخطة الصهيونية العامة تجاه المنطقة، حيث تروج لكيانها المتمثل بما يسمى «دولة اسرئيل» بأنه الدولة الديموقراطية الوحيدة التي يتمتع فيها «الجميع» بكامل حقوقهم، من خلال حملات إعلانية وترويجية مقززة، تستخدم فيها «اسرائيل» المجتمع المثلي وحقوق المثلية لتبرر قمعها وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، فيما أصبح يعرف اصطلاحاً بالـ Pinkwashing والذي يحاول معظم ناشطي حقوق المثلية في المنطقة محاربته ضمن الوسائل القليلة المتاحة.

 لم تعد المثلية الجنسية توجهاً جنسياً فقط بل أصبحت أمراً سياسياً أيضاً، ولعل أبرز مثال على ذلك هو استخدام الأنظمة لها في حروبها الإعلامية المختلفة، واستخدام الإخوان المسلمين السوريين، على الرغم من عدم ثقتنا بأية كلمة تصدر عنهم، لتعبير «التوجه الجنسي» في أحد بياناتهم الصادرة في كانون الأول من العام الفائت، الأمر الذي يمكن أن يعدّ دليلاً أكبر على أن المثلية الجنسية في ظل الثورات العربية لم تعد أمراً يمكن إخفاؤه وإدراجه تحت قائمة المحرمات التي لا يمكن الحديث عنها.

سامي حموي

 SyrianGayGuy@Gmail.com

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

%d مدونون معجبون بهذه: